عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)(١).
إلى نظائرها من آيات تخصّ حبط أعمال الكافر بالله ، الجاحد للنبوّة ، المكذّب لرسالة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم عن قصد وعمد! ولا يملك القائل بعموم الحبط دليلا ذا صراحة من الكتاب العزيز أو السنّة الشريفة الثابتة. وبالتالي فإنّ العمومات المتقدّمة المصرّحة بموافاة كلّ إنسان جزاء أعماله إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ ، باقية على شمولها لأعمال مرتكب ذنب أيضا. خرج منها المعاند الجاحد وبقي الباقي ـ إطلاقا ـ تحت العموم. الأمر الّذي تقتضيه قواعد علم الأصول والبيان!
هل في آيات الحبط عموم؟
قد يزعم البعض (٢) ـ احتمالا ـ دلالة آي من الكتاب على عموم الحبط وعدم اختصاصه بمن يموت كافرا. وهو وإن لم يذكر من تلك الآيات شيئا ولا أشار إليها بالخصوص ، وإنّما ذكر ذلك تعبيرا عابرا ، ومن ثمّ فإن كانت نظرته إلى آيات الحبط المتقدّمة فهي كانت خاصّة بالكفّار الجاحدين ، وإن كانت إلى غيرها فلم يبيّن ، ونحن في عرضنا لآيات القرآن في خصوص مسألة الإحباط عثرنا على آيات لعلّها ذات دلالة ظاهريّة ـ في بدء النظر ـ على عموم الحبط ، نذكرها فيما يلي :
١ ـ قال تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٣).
فإذا أرجعنا الإشارة في قوله : (أُولئِكَ) إلى خصوص الفئة الثانية ، كانت الآية ـ في بدء النظر ـ دالّة على اختصاص توفية المثوبات بهم ، وأن لا حظّ للفئة الأولى فيما اكتسبوه من الحسنات. والآية ـ بظاهرها ـ عامّة تشمل ما إذا كان من الفئة الأولى مؤمنون معتقدون بالله ومصدّقون برسالة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم!
__________________
(١) الفرقان ٢٥ : ٢١ ـ ٢٣.
(٢) انظر : القول السديد في شرح التجريد للسيّد الشيرازي : ٣٩٦.
(٣) البقرة ٢ : ٢٠٠ ـ ٢٠٢.