والإنجيل. وضياع الأصل العربى نكبة كبرى تغرى النفوس على ملاعب بدين الله تبديلا وتغييرا ، ما دام شاهد الحق قد ضاع ، ونور الله قد انطفأ ، والمهيمن على هذه الترجمات قد زال (لا قدر الله) ولا ريب أن كل ما يعرض الدين للتغيير والتبديل ، وكل ما يعرض القرآن للاهمال والضياع ، حرام باجماع المسلمين.
(لوجه الخامس) أننا إذا فتحنا باب هذه الترجمات الضالة ، تزاحم الناس عليها بالمناكب ، وعملت كل أمة وكل طائفة على أن تترجم القرآن فى زعمها بلغتها الرسمية والعامية ، ونجم عن ذلك ترجمات كثيرات لا عداد لها ، وهى بلا شك مختلفة فيما بينها ، فينشأ عن ذلك الاختلاف فى الترجمات ، خلاف حتمى بين المسلمين ، أشبه باختلاف اليهود والنصارى فى التوراة والانجيل. وهذا الخلاف يصدع بناء المسلمين ويفرق شملهم ، ويهيئ لأعدائهم فرصة للنيل منهم ، ويوقظ بينهم فتنة عمياء كقطع الليل المظلم ، فيقول هؤلاء لأولئك : قرآننا خير من قرآنكم ، وبرد أولئك على هؤلاء تارة بسب اللسان ، وأخرى بحد الحسام ، ويخرون ضحايا هذه الترجمات ، بعد أن كانوا بالأمس إخوانا يوحد بينهم القرآن ، ويؤلف بينهم الإسلام. وهذه الفتنة ـ لا أذن بها الله ـ أشبه بل هى أشد من الفتنة التى أوجس خيفة منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان. وأمر بسببها أن تحرق جميع المصاحف الفردية ، وأن يجتمع المسلمون على تلك المصاحف العثمانية الاجماعية.
(الوجه السادس) أن قيام هذه الترجمات الأئمة يذهب بمقوم كبير من مقومات وجود المسلمين الاجتماعى ، كأمة عزيزة الجناب قوية السناد ذلك أنهم سيقنعون غدا بهذه الترجمات كما قلنا. ومتى قنعوا بها فسيستغنون لا محالة عن لغة الأصل وعلومها وآدابها. وأنت تعلم والتاريخ يشهد ، أنها رباط من أقوى الروابط فيما بينها وكان لهذا الرباط أثره الفعال العظيم فى تدعيم وحدة الأمة وبنائها ، حين كانوا يقرءون القرآن نفسه ، ويدرسون من أجله علوم لغته العربية وآدابها ، تذرعا إلى حسن أدائه وفهمه ، حتى خدموا هذه العلوم ونبغوا فيها ، ولمع فى سمائها رجال من الأعجام بزوا كثيرا من أعلام