البارعة المعجزة شيئا كثيرا ، وحسبك أن يبتدئ الأمر بتقرير عقيدة التوحيد ، وألا تفرض الصلوات الخمس إلا بعد عشر سنوات تقريبا من البعثة ، ثم سائر العبادات بعضها تلو بعض. أما المعاملات فلم يستبحر الأمر فيها إلا بعد الهجرة. وقل مثل ذلك فى المهيات. ولعلك لم تنس التدرج الإلهى الحكيم فى تحريم الخمر.
(ثامنها) مجىء القرآن بمطالب الروح والجسد جميعا ، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر. وفى ذلك آيات كثيرة تقدم التنويه بها فى مناسبات أخرى ، من أجلها كان المسلمون أمة وسطا بين من تغلب عليهم المادية والحظوظ الجسدية كاليهود ، ومن تغلب عليهم النواحى الروحية وتعذيب الجسد وإذلال النفس كالهندوس والنصارى فى تعاليمهم ، وإن خالفتها الكثرة الغامرة منهم.
(تاسعها) مجىء القرآن بمطالب الدنيا والآخرة جميعا ، عن طريق التزام تعاليمه وهداياته التى أجملنا مقاصدها فيما سبق ، لا عن طريق الاعتقادات الخاطئة والأمانى الكاذبة والتواكل وترك العمل. والآيات فى هذا المعنى أظهر من أن تذكر.
(عاشرها) مجىء القرآن بالتيسير ورفع الحرج عن الناس : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ـ (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ـ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها). (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) وهذا باب واسع وضع منه علماؤنا قواعد عامة كقولهم : المشقة تجلب التيسير ، والضرورات تبيح المحظورات. ثم فرعوا عليها فروعا وسعت ولا تزال تسع الناس أجمعين. والحمد لله رب العالمين.