يقول القرآن الكريم : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)(١). ثمّ توجد نظريّة في النشوء والارتقاء ل «والاس» و «دارون» تفرض أنّ الحياة بدأت خليّة واحدة ، وأنّ هذه الخليّة نشأت في الماء ، وأنّها تطوّرت حتّى انتهت إلى خلق الإنسان. فنحمل نحن هذا النصّ القرآنيّ ونلهث وراء النظريّة ، لنقول : هذا هو الّذي عناه القرآن!!!
لا ، إنّ هذه النظريّة أوّلا ليست نهائيّة ؛ فقد دخل عليها من التعديل في أقلّ من قرن من الزمان ما يكاد يغيّرها نهائيّا ، وقد ظهر فيها من النقص المبنيّ على معلومات ناقصة عن وحدات الوراثة الّتي تحفظ لكلّ نوع بخصائصه ، ولا تسمح بانتقال نوع إلى نوع آخر ، ما يكاد يبطلها وهي معرضة غدا للنقض والبطلان. بينما الحقيقة القرآنيّة نهائيّة ، وليس من الضروريّ أن يكون هذا معناها ، فهي تثبت فقط أصل نشأة الإنسان ولا تذكر تفصيلات هذه النشأة ، وهي نهائيّة في النقطة الّتي تستهدفها وهي ، أصل النشأة الإنسانيّة. وكفى. ولا زيادة.
ويقول القرآن الكريم : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها)(٢). فيثبت حقيقة نهائيّة عن الشمس وهي : أنّها تجري. ويقول العلم : إنّ الشمس تجري بالنسبة لما حولها من النجوم بسرعة قدّرت بنحو ١٢ ميلا في الثانية. ولكنّها في دورانها مع المجرّة الّتي هي واحدة من نجومها تجري جميعا بسرعة ١٧٠ ميلا في الثانية. ولكن هذه الملاحظات الفلكيّة ليست هي عين مدلول الآية القرآنيّة. إنّ هذه تعطينا حقيقة نسبيّة غير نهائيّة قابلة للتعديل أو البطلان. أمّا الآية القرآنيّة فتعطينا حقيقة نهائيّة ـ في أنّ الشمس تجري ـ وكفى. فلا نعلّق هذه بتلك أبدا!
ويقول القرآن الكريم : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما)(٣). ثمّ تظهر نظريّة تقول : إنّ الأرض كانت قطعة من الشمس فانفصلت عنها ، فنحمل النصّ القرآني ونلهث لندرك هذه النظريّة العلميّة ، ونقول : هذا ما تعنيه الآية القرآنيّة؟
لا ، ليس هذا هو الّذي تعنيه! فهذه نظريّة ليست نهائيّة ؛ وهناك عدّة نظريّات عن نشأة الأرض في مثل مستواها من ناحية الإثبات العلميّ! أمّا الحقيقة القرآنيّة فهي نهائيّة ومطلقة. وهي تحدّد فقط أنّ الأرض فصلت عن السماء ، كيف؟ ما هي السماء الّتي فصلت عنها؟ هذا ما لا تتعرّض له
__________________
(١) المؤمنون ٢٣ : ١٢.
(٢) يس ٣٦ : ٣٨.
(٣) الأنبياء ٢١ : ٣٠.