تلقّته جديدا مرتبطا بالتصوّر الجديد ؛ إذ ليس من الحتم أن يبطل النظام الجديد كلّ جزئيّة في النظام القديم ، ولكن من المهمّ أن ترتبط هذه الجزئيّات بأصل التصوّر الجديد ، لتصبح جزءا منه ، داخلا في كيانه ، متناسقا مع سائر أجزائه.
وجهة ثالثة تؤخذ من تاريخ هذه الفترة ، وقيام اليهود في المدينة والمشركين في مكّة ، بين الحين والحين بمحاولة التشكيك في قيمة النّظم الإسلاميّة ، وانتهاز كلّ فرصة للقيام بحملة مضلّلة على بعض التصرّفات والأحداث ، ممّا كان يستدعي بروز بعض الاستفهامات والإجابة عليها ، بما يقطع الطريق على تلك المحاولات ، ويسكب الطمأنينة واليقين في قلوب المسلمين.
ومعنى ذلك ، أنّ القرآن كان دائما في المعركة ، سواء تلك المعركة الناشئة في القلوب بين تصوّرات الجاهليّة وتصوّرات الإسلام ، والمعركة الناشئة في الجوّ الخارجيّ بين الجماعة المسلمة وأعدائها الّذين يتربّصون بها من كلّ جانب!
وممّا يسترعي الالتفات أنّ هذه المعركة كتلك ما تزال قائمة ؛ فالنفس البشريّة هي النفس البشريّة ، وأعداء الأمّة المسلمة هم أعداؤها والقرآن حاضر ، ولا نجاة للنفس البشريّة ولا للأمّة المسلمة ، إلّا بإدخال هذا القرآن في المعركة ، ليخوضها حيّة كاملة ، كما خاضها أوّل مرّة. وما لم يستيقن المسلمون من هذه الحقيقة ، فلا فلاح لهم ولا نجاح!
وأقلّ ما تنشئه هذه الحقيقة في النفس ، أن تقبل على هذا القرآن بهذا الفهم وهذا الإدراك وهذا التصوّر ، أن تواجهه وهو يتحرّك ويعمل وينشىء التصوّر الجديد ، ويقاوم تصوّرات الجاهليّة ، ويدفع عن هذه الأمّة ، ويقيها العثرات. لا كما يواجهه الناس اليوم ، نغمات حلوة ترتّل ، وكلاما جميلا يتلى ، وينتهي الأمر!! إنّه لأمر غير هذا نزّل الله القرآن. لقد نزّله لينشىء حياة كاملة ، ويحرّكها ، ويقودها إلى شاطىء الأمان بين الأشواك والعثرات ، ومشقّات الطريق ، الّتي تتناثر فيها الشهوات كما تتناثر فيها العقبات. والله المستعان! (١)
***
والآن نواجه النصّ القرآني في هذا المجال : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ).
__________________
(١) في ظلال القرآن ، ١ : ٢٥٦ ـ ٢٥٨.