تغذية الروح أهنأ من سائر التغذيات. فالمعتكف تحبّس نفسه عن لذائذ الجسد ، ولكنّه انطلق منها هادفا لذائذ أرقى وأنعم على النفس ، من كلّ لذّة سواه. إنّه العكوف لدى المحبوب والمثول لديه ، بعيدا عن أعين الرقباء ، فيا له من لذّة هنيئة سائغة طيّبة!؟
والإنسان حيث خلق من روحه تعالى ، فالشوق للوصول إليه والعكوف لديه ، من آكد الأمنيّات ، والّتي يسعى الإنسان بكلّ وجوده كادحا إليه ليلاقيه. والآن وفي فترة الاعتكاف يحسّ إحساسا باقترابه من ذلك اللقاء.
وممّا يمتنع منه المعتكف زيادة على حرمة صيامه ، الامتناع من ملامسة النساء ، سواء في ذلك فترة الإمساك وفترة الإفطار ، ولا يخرج من معتكفه إلّا لضرورة قضاء الحاجة.
***
وفي النهاية يربط الأمر كلّه بالله ، في توجيه كلّ نشاط وكلّ حركة وامتناع.
قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها). والنهي عن القرب ، لتكون هناك منطقة أمان وحريم ، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
[٢ / ٥٢٣٧] قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ لكلّ ملك حمى وإنّ حمى الله حلاله وحرامه ، والمشتبهات بين ذلك ، كما لو أنّ راعيا رعى إلى جنب الحمى لم تلبث غنمه أن تقع في وسطه ، فدعوا المشتبهات» (١).
[٢ / ٥٢٣٨] وفي رواية أخرى : «إنّ لكلّ ملك حمى وإنّ حمى الله محارمه ، فمن رتّع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» (٢).
[٢ / ٥٢٣٩] وعن الإمام أبي جعفر عليهالسلام قال : قال جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أيّها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة ، وحرامي حرام إلى يوم القيامة. ألا وقد بيّنهما الله ـ عزوجل ـ في الكتاب ، وبيّنتهما في سيرتي وسنّتي ، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي ، من تركها صلح له أمر دينه ، وصلحت له مروّته وعرضه. ومن تلبّس بها ووقع فيها واتّبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى ، ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى ، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ، ألا وإنّ حمى
__________________
(١) البحار ٢ : ٢٥٩ / ٦ ؛ أمالي الطوسي : ٣٨١.
(٢) كنز الفوائد للكراجكي : ١٦٤ ؛ عوالي اللئالي ٢ : ٨٣ / ٢٢٣ ؛ البحار ٢ : ٢٦١.