يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها! فقال له أبو الحسن عليهالسلام : بل هي محرّمة في كتاب الله ـ عزوجل ـ يا أمير المؤمنين. فقال له : في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب الله ـ جلّ اسمه ـ يا أبا الحسن؟ فقال : قول الله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ)(١).
فأمّا قوله : (ما ظَهَرَ مِنْها) يعني الزنا المعلن ونصب الرايات الّتي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهليّة. وأمّا قوله ـ عزوجل ـ : (وَما بَطَنَ) يعني ما نكح من الآباء لأنّ الناس كانوا قبل أن يبعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوّجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمّه فحرّم الله ذلك ، وأمّا الإثم فإنّها الخمرة بعينها وقد قال الله ـ عزوجل ـ في موضع آخر : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ)(٢). فأمّا الإثم في كتاب الله فهي الخمرة والميسر وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى ، قال : فقال المهديّ : يا عليّ بن يقطين هذه والله فتوى هاشميّة ، قال : قلت له : صدقت والله يا أمير المؤمنين ، الحمد الله الّذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال : فو الله ما صبر المهديّ أن قال لي : صدقت يا رافضيّ!».
[٢ / ٦٤١٥] وروي : «أنّ أوّل ما نزل في تحريم الخمر قول الله ـ عزوجل ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) فلمّا نزلت هذه الآية أحسّ القوم بتحريمها وتحريم الميسر وعلموا أنّ الإثم ممّا ينبغي اجتنابه ولا يحمل الله ـ عزوجل ـ عليهم من كلّ طريق ، لأنّه قال : ومنافع للناس ، ثمّ أنزل الله آية أخرى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٣) ، فكانت هذه الآية أشدّ من الأولى وأغلظ في التحريم. ثمّ ثلّث بآية أخرى فكانت أغلظ من الآية الأولى والثانية وأشدّ فقال عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(٤) فأمر عزوجل باجتنابها وفسّر عللها الّتي لها ومن أجلها حرّمها. ثمّ بيّن الله ـ عزوجل ـ تحريمها وكشفه في الآية الرابعة مع ما دلّ عليه في هذه الآي المذكورة المتقدّمة بقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) وقال عزوجل في الآية
__________________
(١) الأعراف ٧ : ٣٣.
(٢) البقرة ٢ : ٢١٩.
(٣) المائدة ٥ : ٩٠.
(٤) المائدة ٥ : ٩١.