على تفسير الكبيرة بأنّها المعاصي الّتي أوجب الله ـ سبحانه ـ عليها النار.
ثمّ قال : وللنّظر في بعضها مجال والله أعلم بحقيقة الحال (١).
وعقّب صاحب الجواهر على هذا التفصيل ، بأنّ حصر الكبائر في هذا العدد يلزم أن يكون ما عداها صغائر بحيث لا تقدح في العدالة بل تقع مكفّرة بلا توبة ولا استغفار ، فمثلا معصية اللواط وشرب الخمر وترك صوم يوم من شهر رمضان وشهادة الزور ، تكون من الصغائر الّتي لا تضرّ بعدالة الشاهد والإمام ، فإذا شهد إنسان شهادة زور فقام لفوره بلا توبة في محراب الإمامة أو في مقام أداء الشهادة ، صحّت إمامته وقبلت شهادته ، وهو واضح الفساد. كيف وقد ورد في رواية ابن أبي يعفور : «أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واللسان ...» (٢). بل في ذلك إغراء للناس في كثير من المعاصي ، فإنّه قلّ من يترك المعصية لقبحها ، وإنّما يتركها خوفا من العقاب عليها (٣).
الأمر الّذي دعى ببعض المتأخّرين إلى القول بالتفصيل ، بأنّ ارتكاب الصغيرة بلا إصرار عليها ، وإن كان لا عقاب عليها ، لكنّها تضرّ بالعدالة وتوجب الفسق. فالصغيرة من جهة إيجابها للفسق لا فرق بينها وبين الكبيرة ، وإن كانت تفترق عنها في إيجابها العقاب (٤).
لكن عرفت فيما سبق أنّ في الإعلام بعدم العقاب ، دليلا على أن لا نهي هناك ، وإذا لم يكن نهي فهو غير محرّم ، فلا يوجب ارتكابه فسقا. لأنّ الفسق هو الخروج عن طاعة الله فيما أمر ونهى ، لا مجرّد فعل القبيح ولو كان غير منهيّ عنه!
وأغرب من ذلك ما جاء في كلام الفاضل السيوري على تقدير كون الصغر والكبر نسبيّين. قال : وإنّما صغر الذنب وكبره بالإضافة إلى ما فوقه وما تحته ، فأكبر الكبائر الشرك بالله ، وأصغر الصغائر حديث النفس ، وبينهما وسائط يصدق عليها الأمران. فالقبلة بالنسبة إلى الزنا صغيرة وبالنسبة إلى النظر كبيرة. قال : فمعنى تكفير الصغائر في الآية (النساء ٤ : ٣١) أنّ المكلّف إذا دعته نفسه إلى معاصي بعضها أكبر من بعض ، فترك الأكبر وارتكب الأصغر لم يعاقب على الأصغر ، لا
__________________
(١) مفتاح الكرامة ٨ : ٢٩٣ ـ ٢٩٨.
(٢) الفقيه ٣ : ٣٨ / ٣٢٨٠ ، باب العدالة.
(٣) جواهر الكلام ١٣ : ٣١٦ ـ ٣١٧.
(٤) منهاج الصالحين ١ : ١٠ ، المسئلة ٢٩ و : ١٣ ، المسئلة ٣٠ ؛ تحرير الوسيلة ١ : ٢٧٤.