لكن لا وجه لهذا التخصيص بعد عموم اللفظ ، وكون كلّ معصية ممّا أوعد الله عليها النار ، فكان الغرض تعميم الكبائر لجميع المعاصي فلا صغيرة فيها.
هذا مضافا إلى النقض بكثير من الكبائر لم يتوعّد عليها بالنار بالخصوص كاللواط ، والمساحقة ، وشرب الخمر وترك صوم رمضان ، وشهادة الزور ، وإيواء عين المشركين ، والتجسّس لهم ، والقيادة ، وأكل لحم الخنزير ، وما أهلّ به لغير الله ، إلى كثير من أشباه ذلك ممّا ورد على أكثرها حدّ شرعيّ!
وأضعف من ذلك تخصيص بعضهم ذلك بورود التوعيد عليه في خصوص الكتاب العزيز (١).
٢ ـ وقيل : كلّ ذنب كان له حدّ شرعيّ. لكن لا مستند له مع كثرة النقوض عليه.
٣ ـ وقيل : كلّ ذنب علمت حرمته بدليل قاطع. وهي جميع الذنوب المعروفة.
٤ ـ وقيل : كلّ معصية تؤذن بقلّة اكتراث فاعلها بالدين. هذا في كلّ المعاصي على سواء.
٥ ـ وقيل : كلّ معصية عدّها أهل الشرع كبيرة. وهو إيكال إلى فهم المتشرّعة ، وهو دوريّ!
٦ ـ وقالت المعتزلة : الكبيرة ما يكون عقاب فاعله أكثر ممّا فعله من المثوبات. والصغيرة ما كان ثواب فاعله أكثر من العقاب الّذي ترتّب على تلك المعصية (٢).
وهذا رجم بالغيب وإيكال إلى مجهول مختلف الأحوال بالنسبة إلى الأشخاص.
وقد تخلّص المحقّق الأنصاري بنفسه ، فجعل من مجموع هذه التعاريف ، تعريفا واحدا ، بحجّة أنّ كلّ واحد يبيّن طرفا من الكبائر. قال : يثبت كون المعصية كبيرة بأمور :
الأوّل ـ النصّ المعتبر على أنّها كبيرة.
الثاني ـ النصّ على أنّها ممّا أوجب الله عليها النار.
الثالث ـ النصّ على ثبوت العقاب عليه بالخصوص.
الرابع ـ دلالة العقل والنقل على كونه شديدا كبيرا.
الخامس ـ ورود النصّ بترتّب آثار الفسق على مرتكبه.
__________________
(١) كما في الكفاية والذخيرة والدروس والروض. (مفتاح الكرامة ٨ : ٢٨٥).
(٢) شرح الأصول الخمسة : ٦٣٣.