الخير والجهاد في سبيله إذا لم يتحقّق في الأرض أو لم يلق جزاءه. ولا قلق على الأجر إذا لم يوفّ في هذه العاجلة بمقاييس الناس ، فسوف يوفّاه بميزان الله. ولا قنوط من العدل إذا توزّعت الحظوظ في الرحلة القصيرة على غير ما يريد ، فالعدل لا بدّ واقع. وما الله يريد ظلما للعباد.
والاعتقاد بالآخرة حاجز كذلك دون الصراع المجنون المحموم الّذي تداس فيه القيم وتداس فيه الحرمات. بلا تحرّج ولا حياء. فهناك الآخرة فيها عطاء ، وفيها غناء ، وفيها عوض عمّا يفوت. وهذا التصوّر من شأنه أن يفيض السّلام على مجال السباق والمنافسة ؛ وأن يخلع التجمّل على حركات المتسابقين ؛ وأن يخفّف السعار الّذي ينطلق من الشعور بأنّ الفرصة الوحيدة المتاحة هي فرصة هذا العمر القصير المحدود!
ومعرفة المؤمن بأنّ غاية الوجود الإنساني هي العبادة ، وأنّه مخلوق ليعبد الله. من شأنها ـ ولا شكّ ـ أن ترفعه إلى هذا الأفق الوضيء. ترفع شعوره وضميره ، وترفع نشاطه وعمله ، وتنظّف وسائله وأدواته. فهو يريد العبادة بنشاطه وعمله ؛ وهو يريد العبادة بكسبه وإنفاقه ؛ وهو يريد العبادة بالخلافة في الأرض وتحقيق منهج الله فيها. فأولى به ألّا يغدر ولا يفجر ؛ وأولى به ألّا يغشّ ولا يخدع ؛ وأولى به ألّا يطغى ولا يتجبّر ؛ وأولى به ألّا يستخدم أداة مدنّسة ولا وسيلة خسيسة. وأولى به كذلك ألّا يستعجل المراحل ، وألّا يعتسف الطريق ، وألّا يركب الصعب من الأمور. فهو بالغ هدفه من العبادة بالنيّة الخالصة والعمل الدائب في حدود الطاقة. ومن شأن هذا كلّه ألّا تثور في نفسه المخاوف والمطامع ، وألّا يستبدّ به القلق في أيّة مرحلة من مراحل الطريق. فهو يعبد في كلّ خطوة ؛ وهو يحقّق غاية وجوده في كلّ خطرة. وهو يرتقي صعدا إلى الله في كلّ نشاط وفي كلّ مجال.
وشعور المؤمن بأنّه يمضي مع قدر الله ، في طاعة الله ، لتحقيق إرادة الله. وما يسكبه هذا الشعور في روحه من الطمأنينة والسّلام والاستقرار ؛ والمضيّ في الطريق بلا حيرة ولا قلق ولا سخط على العقبات والمشاقّ ؛ وبلا قنوط من عون الله ومدده ؛ وبلا خوف من ضلال القصد أو ضياع الجزاء. ومن ثمّ يحسّ بالسلام في روحه حتّى وهو يقاتل أعداء الله وأعداءه. فهو إنّما يقاتل لله ، وفي سبيل الله ، ولإعلاء كلمة الله ؛ ولا يقاتل لجاه أو مغنم أو نزوة أو عرض مّا من أعراض هذه الحياة.
وكذلك شعوره بأنّه يمضي على سنّة الله مع هذا الكون كلّه. قانونه قانونه ، ووجهته وجهته. فلا