نفر من قريش ، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ، ثمّ قال : يا معشر قريش قد علمتم أنّي من أرماكم رجلا ، وأيم الله لا تصلون إليّ حتّى أرمي بكلّ سهم في كنانتي ، ثمّ أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ، ثمّ افعلوا ما شئتم ، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكّة وخلّيتم سبيلي! قالوا : نعم. فلمّا قدم على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ربح البيع ، ربح البيع!» ونزلت : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(١).
***
قلت : والآية وإن كانت عامّة في ظاهر تعبيرها ، لتشمل كلّ مجاهد في سبيل الله ، باذل نفسه في سبيل مرضاته تعالي ، غير أنّ شأن نزولها قد يخصّ مناسبة ما ، وقد رجّح أصحاب النظر أنّها حادث ليلة المبيت ، والّتي باها الله بها ملائكته.
فلا يتنافى وشمولها لمثل سريّة الرجيع وغيرها ، ممّا كان للمؤمنين موقف صلب تجاه غلواء أبناء الشياطين. ومنها موقف صهيب الشهم الجريء.
أمّا كون نزولها بشأنه بالذات ، فهذا ممّا يتنافى وظاهر تعبير الآية ، وقد استنكره أصحاب النظر من المفسّرين.
قال الشيخ أبو الفتوح الخزاعي الرازي : وهذا لا يصحّ ، لأنّ التعبير ب (يَشْرِي نَفْسَهُ) يفيد معنى «يبذل نفسه» المتّفق مع حادث المبيت ، حيث بذل علي عليهالسلام نفسه في سبيل مرضاة الله. أمّا صهيب فقد ابتاع نفسه وافتداه بالمال. فقد بذل ماله لخلاص نفسه ، وهذا وإن كان عملا جميلا وجليلا ، لكنّه غير مفاد الآية الكريمة بالذات (٢).
__________________
(١) الدرّ ١ : ٥٧٥ ـ ٥٧٦ ؛ الطبقات الكبرى ٣ : ٢٢٨ ؛ بغية الباحث للحارث بن أبي أسامة : ٢١٤ / ٦٧٧ ، باب ٢ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ / ١٩٣٩ ، وزاد : وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس ، نحو ذلك ؛ الحلية ١ : ١٥١ ؛ ابن عساكر ٢٤ : ٢٢٨ ، باب ٢٩٠٥ ؛ أسباب النزول للواحدي : ٣٩ ؛ القرطبي ٣ : ٢٠ ؛ ابن كثير ١ : ٢٥٤ ؛ الثعلبي ٢ : ١٢٥ عن سعيد بن المسيب وعطاء ؛ البغوي ١ : ٢٦٦ ؛ أبو الفتوح ٣ : ١٥٧ ـ ١٥٨.
(٢) أبو الفتوح ٣ : ١٥٨.