تعبيرها. ليست الآية بصدد بيان غفران ذنوب الحاجّ ـ وإن كان مغفورا له بلا ريب ، إذا كان قد أتى الله بقلب سليم ـ غير أنّ الآية ، بملاحظة موضعها الخاصّ ، تعني الرخصة ورفع الحرج عمّن تعجّل أو تأخّر ، حيث كلا الأمرين لا حرج فيه.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى جاءت لتقيّد الرخصة في التعجّل بمن اتّقى في حجّه. أي أو تأخّر ، حيث كلا الأمرين لا حرج فيه. واظب على أداء المناسك وفق ما أمره الله. وهذا مطلق في جميع فروض الحجّ وتروكه. أمّا حمله على إرادة ملازمة التقوى فيما سبق من أيّام عمره أو فيما لحق ، فهذا يأباه السياق وترفضه المناسبة القائمة بين أجزاء الكلام.
فقوله تعالى : (لِمَنِ اتَّقى) عامّ من جهة وخاصّ من جهة. عامّ من جهة إرادة عموم تروك الإحرام. وخاصّ من جهة إرادة ملازمة التقوى أيّام إحرامه.
وكلّ ذاك العموم وهذا الخصوص مستفاد من لحن الآية ومن سياقها الخاصّ ورعاية المناسبة القائمة بين أجزاء الكلام.
وقد عرفت كلام الزمخشري الآنف ـ وهو العارف بأساليب الكلام ـ : «أي ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجّل والمتأخّر لأجل الحاجّ المتّقي ، لئلّا يتخالج في قلبه شيء منهما ؛ فيحسب أنّ أحدهما يرهق صاحبه آثام في الإقدام عليه ، لأنّ ذا التقوى حذر متحرّز من كلّ ما يريبه ، ولأنّه هو الحاجّ على الحقيقة عند الله» (١).
أي لا ينبغي للحاجّ المتّقي أن يتخالج في نفسه التأثّم من التعجّل أو التأخّر. لأنّه بفضل تقواه سار على منهج قويم في أداء مناسكه. فهذا لا حرج عليه ، سواء تعجّل في يومين أم تأخّر. أي أنّ هذه الفسحة إنّما هي لمن لزم التقوى في حجّه. وليست لمن ركب المعاصي ، ولزمته كفّارة معاصيه ، ومنها منعه من النفر الأوّل ، وإلزامه البقاء حتّى النفر الأخير ، كفّارة لما سبق منه من التورّط والتفريط.
[٢ / ٥٧٧٨] روى العيّاشيّ بالإسناد إلى حمّاد بن عثمان عن الإمام الصادق عليهالسلام في قوله : (لِمَنِ اتَّقى) ، قال : «فإن ابتلي بشيء من الصيد ففداه ، فليس له أن ينفر في يومين» (٢).
__________________
(١) الكشّاف ١ : ٢٥٠.
(٢) العيّاشيّ ١ : ١١٩ / ٢٨٧ ؛ البرهان ٢ : ٤٤٧ / ٢٥.