لله منكم لآبائكم وكانوا إذا قضوا مناسكهم ، قالوا : اللهمّ أكثر أموالنا ، وأبناءنا ، ومواشينا ، وأطل بقاءنا ، وأنزل علينا الغيث ، وأنبت لنا المرعى ، وأصحبنا في سفرنا ، وأعطنا الظفر على عدوّنا ، ولا يسألون ربّهم عن أمر آخرتهم شيئا. فأنزل الله ـ تعالى ـ فيهم : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا) يعني أعطنا (فِي الدُّنْيا) يعني هذا الّذي ذكر. فقال ـ سبحانه ـ : (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) يعني من نصيب ، نظيرها في براءة (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ)(١) يعني بنصيبهم ، فهؤلاء مشركو العرب فلمّا أسلموا وحجّوا دعوا ربّهم (٢).
[٢ / ٥٦٧٤] وأخرج ابن جرير عن أبي كريب ، قال : سمعت أبا بكر بن عيّاش ، قال : كان أهل الجاهليّة إذا فرغوا من الحجّ قاموا عند البيت فيذكرون آبائهم وأيّامهم : كان أبي يطعم الطعام ، وكان أبي يفعل كذا وكذا. قال أبو كريب : قلت ليحيى بن آدم : عمّن هو؟ قال : عن أبي بكر بن عيّاش ، عن عاصم ، عن أبي وائل (٣).
[٢ / ٥٦٧٥] وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عبّاس قال : كان المشركون يجلسون في الحجّ فيذكرون أيّام آبائهم وما يعدّون من أنسابهم يومهم أجمع ، فأنزل الله على رسوله في الإسلام : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً)(٤).
[٢ / ٥٦٧٦] وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آبائهم وذكروا أيّامهم في الجاهليّة وفعال آبائهم ، فنزلت هذه الآية (٥).
[٢ / ٥٦٧٧] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) قال :
إهراقة الدماء (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) قال : تفاخر العرب بينها بفعال آبائها يوم النحر حين يفرغون ، فأمروا بذكر الله مكان ذلك (٦).
[٢ / ٥٦٧٨] وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا : كانوا يذكرون فعل آبائهم
__________________
(١) التوبة ٩ : ٦٩.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦.
(٣) الطبري ٢ : ٤٠٥ / ٣٠٦١.
(٤) الدرّ ١ : ٥٥٧ ؛ الشعب ٣ : ٣٥٨ / ٣٧٦٩.
(٥) الدرّ ١ : ٥٥٧ ؛ الطبري ٢ : ٤٠٥ ، بعد رقم ٣٠٦١.
(٦) الدرّ ١ : ٥٥٧ ؛ الطبري ٢ : ٤٠٤ / ٣٠٥٧ و ٣٠٦١ و ٣٠٦٣. معاني القرآن ١ : ١٤١ / ٦٧ ، بلفظ : قال مجاهد : إراقة الدماء ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣٥٥ / ١٨٦٨ ، إلى قوله «إهراقة الدماء».