الردع.
وتارة نقول بأنّه لا تكون المعاملة عند الشارع عبارة عما تكون معاملة عند العرف ، بل يكون للشارع اعتبار آخر ولكن حيث إنّه لم يبيّن موضوع اعتباره فلا بدّ من أخذ موضوع اعتبار الشارع من الحكم ، وهذا غير الأول ، ففي الأول لا يكون للشارع اعتبار خاصّ فينزّل كلامه على ما هو المعتبر عند العرف ، وفي الثاني له اعتبار خاصّ لكن حيث لم يبيّن موضوع حكمه ولا يكون حكمه مجملا ولا مهملا فلا بدّ من الرجوع في موضوعه الى العرف ، وهذا هو السرّ في أنّه نقول : إنّه ولو قلنا بأنّ الألفاظ موضوعة للصحيح ولكن يمكن التمسّك في المعاملات بالإطلاق بخلافه في العبادات ، حيث إنّه في المعاملات إمّا أن لا يكون للشارع اعتبار خاص ، وإمّا أن يكون له اعتبار خاصّ ، لكن لا بدّ في أخذ موضوعه من العرف فيصحّ التمسّك بالإطلاق ، وأمّا في العبادات فحيث إنّه يكون من وظائف الشارع لا بدّ من أخذها منه فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق ، فافهم.
والى هذا يشير كلام الشيخ رحمهالله في المكاسب في الصفحة (٨١) أول البيع قبل قوله : الكلام في المعاطاة بسطر قال : (وأمّا وجه تمسّك العلماء بإطلاق أدلة البيع ونحوه : فلأنّ الخطابات لمّا وردت على طبق العرف حمل لفظ «البيع» وشبهه في الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثّر عند العرف ، أو على المصدر الذي يراد من لفظ «بعت» ... الى آخره). فعلى هذا في المعاملات يكون عدم الردع كاشفا عن الإمضاء لو كان المعتبر عنده هو المعتبر عند العرف ، أو لم يذكر موضوع اعتباره ، فلا بدّ من الرجوع الى العرف ، فلو لم يردع يكون كاشفا عن الإمضاء.
وأمّا في غير المعاملات من سائر الأحكام ـ تكليفية كانت أو وضعية ـ فيكون محتاجا الى الإمضاء من قبل الشارع ؛ لأن معنى المجعول هو كونه تابعا للنحو الذي يجعله جاعله ، وكيفية جعل الجاعلين مختلفة فلا بدّ على هذا من الإمضاء.