لا إشكال بأنّ حكم الشارع يكون إمّا الوجوب ، وإمّا الحرمة ، فيعلم تفصيلا في هذا الباب بحكم الشارع ، ولا إجمال في علمه بحكم الشارع ، غاية الأمر هذا العلم بحكم الشارع صار مشوبا بالشكّ في الخارج ، فما يكون في المقام معلوما هو حكم الشارع ، ولا إجمال في ذلك ، وما كان فيه الإجمال هو الحكم الوجوبي أو التحريمي ، وكون الشك في الحكم المعلوم أيّا منهما فيكون علم وشكّ ، ولا إجمال من حيث علمه.
ولا يخفى عليك أيضا أنّ الكلام تارة يكون في أصل الإطاعة ، واخرى في أنحاء الإطاعة ، ولا إشكال في أنّه لا فرق بين العلم التفصيلي والإجمالي في أصل الإطاعة ، بمعنى أنّه كما يجب إطاعة المعلوم تفصيلا كذلك يجب إطاعة المعلوم إجمالا ؛ لأنّ في كلّ منهما إراءة الواقع ، فاذا علم تنطبق عليه الكبرى الكليّة كما قلنا ، فعلى هذا بصرف العلم الاجمالي بالتكليف ينجّز التكليف ، ولا بدّ من الإطاعة كالعلم التفصيلي ، إلّا أنّ الفرق بينهما يكون في الجهة الثانية ، يعني في كيفية الإطاعة ، ولا إشكال بأنّ العقل بعد حكمه بأصل الإطاعة بمقتضى قيام العلم على الواقع يكون له حكم آخر بكيفية الإطاعة. فتارة يكون المعلوم غير مشوب بالشك فيحكم باتيانه ، واخرى يكون مشوبا بالشكّ ، كما كان كذلك في العلم الإجمالي ، فيحكم العقل تارة بإتيان المعلوم والمشكوك الذي اختلط مع المعلوم من باب المقدمة ، واخرى يحكم بإتيان جميع الأطراف أو تركها مقدمة ، وثالثة يحكم بترك بعض الأطراف فقط ، ورابعة يحكم بالتخيير ، وخامسة يرى بأنّ المورد ممّا يكون فيه التخيير تكوينا فلا يحكم بشيء أصلا.
وما نحن فيه يكون من هذا القبيل ، حيث إنّ العقل بعد حكمه بلزوم الإتيان أو الترك المعلوم بالإجمال يكون له حكم آخر في أصل الإطاعة وكيفيتها ، وهذا الحكم غير حكمه الأول ، فيرى في حكمه الثاني بأنّه لا يمكن الموافقة القطعية ؛ لأنّ الدوران بين الحرمة والوجوب يكون في شيء واحد فلا بدّ من أن يحكم بالتخيير ، لكن حيث يرى أنّ التخيير يكون تكوينا في الباب ، لأنّ أمر المكلف دائر بين الفعل والترك فلا