أيضا مصيب ، فالأشاعرة الغير قائلين بالحسن والقبح التزموا بأنّه ليس حكم لله أصلا ، بل المجتهد بعد فحصه فكل ما فهم هو حكم الله الواقعي ، وهذا دور واضح ، إذ لا بدّ وأن يكون حكم حتى يفحص عنه المجتهد فكيف يمكن أن يحدث الحكم بعد فحص المجتهد؟ وهذا هو الدور المحال.
وبعضهم حيث رأى فضاحة ذلك التزم بأن نفرض شيئا بحيث إنّ الله تعالى لو أراد أن يجعل له حكما كان هو حكمه ، ولكن لم يجعل ، فالمجتهد كل ما يحصل له هو حكم الله الواقعي ، لكن لا يلزم الدور ، لأنّه تفحّص عن الشيء الذي فرض أنّ الله لو أراد أن يجعل حكما كان مجعوله هو هذا الشيء ، وهذا أيضا محال ، إلّا أنّ يوجّه بما قلنا.
وبعضهم قالوا بأنّ لله حكما إلّا أنّه لو صادف المجتهد به فهو حكمه ، ولو لم يصادف به كان ما صادف رأيه به هو حكم الله أيضا ، مثل الفرق بين العالم والجاهل في الأحكام.
ولا يخفى أنّ هذه الأقوال مع قطع النظر عن كون بعضها محالا خلاف المستفاد من أخبار الإمامية ، فالإمامية ملتزمون بالتخطئة ، وأنّ من صادف رأيه مع الحكم الواقعي فهو ، ومن لم يصادف فإن كان غير مقصّر في المقدمات فهو ولو لم يبلغ بالحكم الواقعي لكنه معذور. وإن كان مقصّرا في المقدمات فغير معذور ، وما هو المسموع والمعروف من أنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا أيضا لم يكن واردا في طرقنا وغير صحيح ، والمخطئ بعنوان خطئه لا أجر له ، نعم بعنوان تحصيله يمكن أن يكون له الأجر ، فنحن نلتزم بالتخطئة في الشرعيات.
ولو التزم أحد بالمصلحة في الطرق فليست مصلحة في مقابل الواقع ، بل هو ملتزم بالمصلحة السلوكية ، ويمكن أن يتدارك هذه المصلحة السلوكية بمصلحة الواقع الفائتة عنه ، فتدبّر.