اذا عرفت ذلك كلّه يظهر لك وجه الفرق بين كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في هذا المقام ـ أعني في خبر الواحد ـ وبين كلامه في الاستصحاب ، فقال : حيث إنّه يكون معنى حجّية الخبر هو الإعذار في صورة عدم اصابة مؤدّاه للواقع والتنجيز في صورة الإصابة فعلى هذا يكون الكلام في أنّه يمكن الإطاعة بالخبر ، أو لا وأنّه يمكن أن يقع في طريق الإطاعة والمعصية أم لا ، فحيث إنّ الحاكم في باب الإطاعة والمعصية هو العقل فيكون الشارع موافقا للعقل في هذا الباب ، فيكفي في حجية طريق العقل عدم ثبوت الردع من الشارع ، فما لم يثبت الردع منه يكون طريق العقل متبعا ، فعلى هذا يكون في السيرة مقتضى الحجية ، والآيات لا يمكن أن تكون رادعة عن السيرة ؛ للزوم الدور ، ولكنّ حجية الخبر بالسيرة غير مستلزم للدور ؛ لما قلنا من أنّ فيها مقتضى الحجية وما لم يثبت الردع تكون السيرة حجّة.
وأمّا في باب الاستصحاب فحيث إنّه يكون من مخترعات الشارع ومجعولاته لأنّه يكون حكما من الأحكام كما هو مبنى المحقق المذكور من أنه يكون جعل حكم مماثل ، فعلى هذا لا بدّ في المجعولات من الإمضاء ، حيث إنّ وظيفة الشارع هو بيان الأحكام ولا يكون وظيفة غيره ، فلا بدّ من أن تؤخذ الأحكام منه ، فعلى هذا لو كان حكم في مذهب سابق أو عند الناس ، لا يمكن العمل به بعد نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم بل لا بد من أن يؤخذ منه ، فإن أمضى الشارع هذه الطريقة فهو ، وإلّا فلا بدّ من الرجوع اليه ، وعليه فما لم يمض الشارع لا يكون متّبعا ، والسر فيه : هو ما قلنا من أنّ وضع الأحكام وظيفة النبي ، ولا بدّ من الرجوع اليه ، لكن لو أمضى ما يكون عند الناس يكفي ، فعلى هذا في الاستصحاب أيضا ما لم يمض الشارع سيرة العقلاء لا يمكن الأخذ بالسيرة والقول بحجية الاستصحاب ، فلأجل ذلك قال المحقّق المذكور : بأنّه لا يمكن التمسّك بالسيرة لحجّية الاستصحاب لأجل الآيات الرادعة ، لأنّه لا يكون للسيرة مقتضى الحجية أصلا قبل إمضاء الشارع فلا يمكن التمسك بها لحجية الاستصحاب.