يكن واجبا واقعا ، ولكنّ الوجوب والحرمة من ناحية الشارع يكونان مترتّبين على الإتيان بالواجب الواقعي وترك الحرام الواقعي.
والشاهد على أنّ الثواب والعقاب على نفس الانقياد والتجرّي هو : أنّه كما ترى أنّك لو تخيّلت صورة العقرب تفرّ منه ولو لم يكن في الخارج عقرب أصلا ، وبالعكس لو كان في الخارج عقرب ولم تكن أنت معتقد بذلك لا تفرّ منه ، لأجل أنّ العلم بوجود العقرب موجب للفرار لا وجوده الخارجي ولو لم تعلم به ، كذلك العلم بالشيء موضوع للثواب والعقاب لا الواقع والخارج ، لأنّ العقل يحكم بذلك ، وإن تمّ هذا الكلام لازمه أن الثواب والعقاب يكونان على الانقياد والتجرّي ، لا على إتيان الواجب الواقعي وترك الحرام الواقعي.
فعلى هذا لا يرد عليه أنّ لازم كون العقاب على التجري هو كون العقابين في صورة الإصابة مع الحرام الواقعي مع تجريه ومخالفته نهي المولى فيلزم تداخل العقابين في هذه الصورة ، لأنّه على ما قلنا في بيان مراده لا يكون العقاب إلّا على التجرّي حتى في صورة مصادفة الواقع ، ولا يكون الثواب إلّا على الانقياد ولو في صورة مصادفة الواقع.
فدعوى هذا المحقق رحمهالله هو حكم العقل بذلك ، بل على ما يظهر من بعض كلماته أنّه ترقّى وقال بأنّ الثواب والعقاب لا يكون إلّا على القصد ، وعلى أيّ حال هذا مراده.
فظهر لك أنّ كلمات القائلين بالتجرّي متباينة ، فمن بعض كلماتهم يظهر أنّ العقاب على التجري ، ومن بعضها يظهر أنّ العقاب يكون على القصد المتعقّب به العمل ، لأنّ نفس القصد ليس له ثواب أو عقاب ، كما أنّ من كلمات المحقّق الخراساني رحمهالله أيضا يظهر تارة أنّ العقاب على التجرّي ، وتارة أنّ العقاب على القصد.
اذا عرفت مراده فنقول : إنّ التجرّي له إطلاقان :