ثمّ إنّه بعد مسلّمية اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب يكون عمدة الكلام في أنّه لا بد من بقاء الموضوع بنظر العقل ، أو على ما يظهر من لسان الدليل ، أو بمقتضى نظر العرف ، ولا إشكال في أنّ هذه الأنظار الثلاثة مختلفة ، ومن الواضح أنّه لا يمكن مع الشك الحكم ببقاء الموضوع بنظر العقل ، ولا من لسان الدليل.
أمّا العقل فلأنّه بعد الشكّ في الموضوع إمّا متيقن بعدم الموضوع ولو لم يكن متيقنا بعدم بقاء الموضوع ولا أقلّ شاك ، ففي المستقلات العقلية بعد الشك في الموضوع فإنّ عدم الموضوع محرز عنده. وأمّا في غير المستقلات العقلية فلا أقلّ في الشك من بقاء الموضوع بنظره ، وصرف الشك يكفي في عدم جريان الاستصحاب ، لأنّه لا بدّ في جريان الاستصحاب من إحراز الموضوع. وأمّا لسان الدليل فهو أيضا بعد ظهوره في كون شيء موضوعا فبعد الشك ليس لسان الدليل كافيا لإحراز الموضوع ، فبعد عدم إحراز الموضوع بنظر العقل ولسان الدليل فلا بدّ من أخذه من العرف حتى يمكن جريان الاستصحاب.
ولكن في أخذ موضوع الاستصحاب من العرف أيضا إشكال ، وكان مبتكره السيد حسين رحمهالله وكان إشكاله هو : أنّ المقام الذي يرجع فيه الى العرف هو في المفاهيم ، فالمرجع في المفاهيم هو العرف ، وأما في غير ذلك بعد تعيين المفاهيم فلا تكون المسامحات العرفية حجة وكافية لنا ، وهذا مسلّم عند من يقول بأخذ الموضوع من العرف بأنه لا عبرة بالمسامحات العرضية ، فمع التسليم بذلك فكيف يمكن أخذ الموضوع من العرف؟ وهل هذا إلّا الرجوع الى المسامحات العرفية؟
والحاصل : أنّه بعد التسليم بالكبرى وهي الرجوع الى العرف في تعيين المفاهيم ، وبعد التسليم بكبرى اخرى وهي عدم إمكان الرجوع الى المسامحات العرفية ولا عبرة بمسامحاته فيرد الإشكال : بأنّ الرجوع في موضوع الاستصحاب الى العرف بعد ما لم يكن في تعيين المفهوم فلا بدّ أن يكون في مسامحاتهم وهي غير متبعة ولأجل هذا الإشكال تصدّى لدفعه ببعض البيانات.