وقال في الاستصحاب : بأنّه لا يمكن التمسّك في حجية الاستصحاب بالسيرة ، لأنّه يكفي في ردعه بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم ، فأشكلوا عليه بأنه ما الفرق بين المقامين؟
ولكن لا يخفى عليك أنّه يمكن توجيه كلامه ، بل يكون الأمر كذلك بحيث لا يكون بين كلامه هنا وفي باب الاستصحاب منافاة.
فنقول مقدمة لذلك : إنّ تدخّل الشارع في الامور يكون مختلفا ، بمعنى أنّه في بعض الموارد لا بدّ من إمضاء الشارع ، وفي بعضها لا بدّ من كشف أنّ الشارع لم يردع عنه ، وفي بعضها يكفي عدم ثبوت الردع ، بمعنى أنّ ثبوت الردع يكون مانعا.
فظهر لك أنّه لا توجد قاعدة كلّية في البين بأنّه يلزم في كلّ الامور إمضاء الشارع ، بل تكون المواقف مختلفة ، ففي بعضها لا بدّ من الإمضاء ، وفي بعضها ولو أنّه لا يلزم الإمضاء إلّا أنّه لا بدّ من ثبوت عدم الردع ، وفي بعضها لا يلزم ذلك أيضا بل يكفي عدم ثبوت الردع.
اذا عرفت ذلك ففي بعض الموارد كاستعمال الألفاظ لا إشكال في أنّ الشارع يجاري طريقة العرف وعمله ، كما قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) فالشارع يتماشى مع العرف ولا تكون له طريقة خاصة ، ولو كان فلا بدّ من أن يقول ، وعليه فبمجرد صدور لفظ يحمل العرف على ما هو موضوع ومتعارف عندهم ، ففي المورد لا يلزم أن يمضي الشارع هذه الطريقة العرفية ، بل يكفي فيه عدم الردع عن هذه الطريقة ، وكذلك في باب الإطاعة والمعصية وأنحاء الإطاعة وكيفيتها حيث تكون بيد العقل فكلّ ما حكم العقل في هذا الباب لا بدّ من إطاعته ، وبناء العقلاء على ذلك ، فلو لم يكن هكذا طريق متّبعا عند الشارع لا بدّ من الردع.
إذا عرفت ذلك من أنّه في بعض الموارد لا يلزم الإمضاء بل لا يلزم ثبوت عدم الردع نقول : بأنّ المحقّق الخراساني رحمهالله كان غرضه في المقام كيفية الإطاعة