أنّهم يجعلون أحدا بالاعتبار سلطانا وأحدا وزيرا وأحدا سارقا في مقام اللعب ويرتبون على كلّ منها آثارا ، فلا إشكال في اعتبارية بعض الأشياء وكونها موجودة في عالم الاعتبار ، وهذه المفاهيم في مقابل المفاهيم الحقيقية والانتزاعية ، وقد بسّطنا الكلام في ذلك في أول البيع ، فعلى هذا لا إشكال بأنّ هذه الامور ـ أعني القضاء وأخواته ـ عند العرف امور اعتبارية ، بمعنى أنّه باعتبار الآثار حتى يكون الاعتبار عقلائيّا ويقرّون هذه الامور ، وتكون الزوجية ـ مثلا ـ مورد اعتبارهم.
اذا عرفت ذلك فنقول : إنّه لا إشكال في معقولية كون القضاء وأخواته امورا منتزعة من التكاليف كما قدّمنا الكلام فيه ، ولا وجه لإشكال المحقّق الخراساني رحمهالله حيث قال : لا معنى لانتزاع الملكية من إباحة التصرف ؛ لأنّه ثبّتنا معقوليته ، وكذلك لا إشكال في معقولية كونها مجعولة وأن تكون بنفسها مورد اعتبار الشارع ، كالأحكام التكليفية ، فاذا كان كلاهما معقولين فنقول : إنّه بعد مساعدة العرف على كون هذه الامور بنفسها موردا للاعتبار ، وبمراجعة الأدلة الشرعية يظهر أنّ هذه الامور أمور تعلّق بها الجعل ، لا أن تكون منتزعات من الأحكام التكليفية كما في قوله تعالى : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) فإنّ الحلّية تعلّقت على نفس الأزواج وملك اليمين ولم تتعلّق على شيء آخر ، والعقل انتزع منه الزوجية ، وكذلك قول المعصوم في ذيل الخبر : «جعلته قاضيا» ، فالجعل تعلق بنفس القضاء لا بأمر آخر ، ويكون القضاء منتزعا عنها ، فظهر لك أنّ هذا القسم من الأحكام الوضعية مجعولات ، فافهم.
إذا عرفت ما هو الحقّ في المقام فاعلم أنّ لهذا النزاع ـ أعني النزاع في كون الأحكام الوضعية مجعولات أو منتزعات ـ ثمرات مهمّة كثيرة في الفقه ، ليس هنا مجال التعرض لكلّ هذه الثمرات ، ونكتفي هنا بذكر بعض الثمرات ، فنقول بعونه تعالى :
من الثمرات هو : الاستصحاب ، فلو قلنا بكون الأحكام الوضعية مجعولات