هذه الصورة تارة نقول بعدم جريان أصل عدم التذكية ، وتارة نقول بجريانه ، فإن لم نقل بجريانه فأيضا لا إشكال في جريان البراءة ، وأمّا لو قلنا بجريانه فلا تجري البراءة ؛ لأنّ أصل عدم التذكية يكون حاكما على البراءة ، ولكن في الشكّ في كونه مأكول اللحم وعدمه تجري البراءة ، فعلى هذا نحكم بطهارة صوفه وشعره وجواز حمله في الصلاة ، وأمّا لم نقل بحلّية لحمه فلأجل احتمال كونه ميتة.
فظهر لك الفرق بين جريان الأصلين ، فالبراءة لو لم تجر في الشكّ في مأكولية لحمه وعدمه لم يمكن الالتزام بطهارة شعره وصوفه ، ولكن بعد جريانه نقول بطهارة الشعر أو الصوف ، ولو لم يجر أصل عدم التذكية نقول بطهارة لحمه أيضا ، ولكنّ المانع من ذلك هو هذا الأصل ، فافهم. وللتفصيل في هذا الباب مقام آخر.
هذا كلّه في ما يكون الدوران بين الحرمة وغير الوجوب من جهة عدم النصّ ، وهذا هو المسألة الاولى.
المسألة الثانية : فيما لو دار الأمر بين الحرمة وغير الوجوب من جهة إجمال النص ، وهذا أيضا تارة يكون منشأ الشك إجمال الحكم ، وتارة يكون منشأ الشكّ إجمال الموضوع. أمّا الأول مثل ما اذا لم ندر بأنّ النهي حقيقة في الحرمة أو الكراهة فالموضوع مبيّن ، ولكن الشكّ في الحكم. وأمّا الثاني أعني ما يكون منشأ الشك إجمال الموضوع ، كما اذا كنا لم نعلم ما هو موضوع الغناء؟ ولا يخفى عليك أنّ المراد من الموضوع هنا غير المراد من الموضوع في الشبهة الموضوعية ؛ لأنّ في الشبهة الموضوعية ـ التي يأتي الكلام عنها لاحقا ـ بعدا يكون الموضوع ـ أعني المفهوم ـ مبيّنا ولكنّ الشكّ في المصداق ، وتكون حقيقة الشبهة هي الشبهة المصداقية ، وأمّا في المقام فيكون الموضوع غير مبيّن ، وعليه فالمورد بكلا قسميه ـ أعني سواء كان الإجمال في الحكم أو الموضوع ـ يكون موردا للبراءة ؛ لما قلنا في المسألة السابقة من قبح العقاب من غير بيان وغيره من الأدلة.