لك أنّ الآية الشريفة ولو فرضنا أنّها لم تكن مستقلّة دليلا على حجية الخبر لكن يستفاد منها إمضاء سيرة العقلاء على العمل بالخبر. ومما قلنا يظهر لك جواب الإشكال الذي استشكل على الآية ، وهو : أنّه ولو فرضنا أن يكون ظاهر صدر الآية هو حجية خبر العادل لما يستفاد من مفهوم القضية الشرطية ، إلّا أنّ التعليل في ذيل الآية يتنافى مع ذلك ، حيث قال : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) لأن استفادة المفهوم تكون بعد استفادة العلّة المنحصرة ، وأنّ العلّة منحصرة بالشرط ، وأمّا لو لم يكن العلّة منحصرة فلا يمكن استفادة المفهوم ، ولا يكون للقضية مفهوم أصلا ، وعلى ما قلنا من تقريب الإشكال لا يمكن الجواب : بأنّه يقع التعارض بين الصدر والذيل فنقيّد عموم الذيل بالصدر ، حيث إنّه على ما قلنا لا يمكن استفادة المفهوم أصلا ، فلا يكون للقضية مفهوم حتى يقع التعارض.
ولكن الجواب عن الإشكال هو ما قلنا في طيّ كلماتنا ، وهو : أنّ المستفاد من المورد ومساق الآية هو كون التعليل منحصرا في خبر الفاسق ، والعمل بخبر الفاسق يوجب إصابة القوم بجهالة والوقوع في الندم ، وأنّه تعالى يكون في مقام بيان الفسق ، فتكون سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة كما ترى أنّ المسلمين عملوا بخبر الوليد ، غاية الأمر لتخيّلهم أنّه ثقة ، والله تعالى أوضح لهم أنّه فاسق. وعندهم أيضا يكون مسلّم من باب عقلائيتهم عدم العمل بخبر غير الثقة والفاسق ، فلا يكون التعليل أعمّيا كي يرد هذا الإشكال ، فمفاد الآية ـ والله أعلم ـ هو بيان الصغرى ، كما ترى في الخبر أنّ السائل يسأل (يونس بن عبد الرحمن ثقة) ، فالراوي يعلم بحجية قول الثقة ، ولكن لا يعلم بكون يونس من الثقات ، فكذلك المسلمون سيرتهم على العمل بخبر الثقة وعدم العمل بخبر غير الثقة ولكن لا يعلمون عدم وثاقة الوليد فالله تعالى بين لهم ، فافهم.
إذا عرفت ذلك فقد استشكل على التمسّك بالآية الشريفة لحجية خبر الواحد بإشكالات قد تبلغ ثلاثين إشكالا ، ولكن لا يعتنى إلّا باثنين أو ثلاث منها ،