إلّا ما قيل في النجاسة والطهارة ، وليست من الامور الانتزاعية فهل تكون الأحكام الوضعية أيضا كذلك ، أو تكون من الأمور الانتزاعية؟ فعلى هذا لو قلنا بمجعولية الأحكام الوضعية فالسببية والشرطية والرافعية والمانعية لما هو سبب أو شرط أو رافع أو مانع للتكليف تكون بنفسها مجعولة ، فلا يرد ما قاله أوّلا ، ولا ما قاله ثانيا ، لأنّ هذا في الامور التكوينية ، وأمّا في الاعتباريات فلا تجري هذه المقالات.
وإن قلنا بكونها منتزعة من التكليف فالسببية وأخواتها تنتزع من التكليف بعد التكليف ولو كان سببا أو شرطا أو رافعا أو مانعا للتكليف ؛ لأنّ السببية وأخواتها ينتزعها العقل من التكاليف.
فعلى هذا لا بدّ من قطع النظر عما قاله ، ولا بدّ من البحث في أنّها مجعولات أو منتزعات ، ولا يخفى عليك أنّ اشتباه المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام هو ما قلنا ، لا ما قاله بعض من أنّه خلط بين علل التشريع وموضوعات الأحكام.
لأنّ علل التشريع عبارة عن العلل الغائية ، والعلل الغائية تكون بحسب الرتبة متأخّرة عن معلولات العلل الفاعلية ؛ لأنّ بعد وجود معلول العلّة الفاعلية تترتّب العلّة الغائية ، فالعلّة الغائية تكون في الرتبة متأخرة عن العلة الفاعلية ومعلولها ، ولهذا تسمّى بالعلّة الغائية ، ونظر المحقّق الخراساني رحمهالله يكون الى العلّة الفاعلية ، وما هو سبب أو شرط لمعلولها فلم يكن خلطه في هذا ، بل كان خلطه هو ما قلنا من أنّه خلط الأسباب التكوينية بالتشريعية ، فافهم.
ثمّ إنّه بعد عدم ارتباط كلام المحقّق الخراساني رحمهالله بالمقام فيقع الكلام في أنّه بعد وضوح كون الأحكام الوضعية محمولات تعرض للموضوعات باعتبار الشرع بحيث لو لم يكن الشرع لم تعرض هذه المحمولات للموضوعات في أنّه هل هذه الأحكام المتقدمة السببية وأخواتها مجعولات ، أو منتزعات؟ فنقول أولا ما يحتمل في الباب ، ثم بعد ذلك نقول ما هو حقّ في المقام.