الاحتياط فتقع المعارضة بينها وبين ما كانت دالة على الترخيص ، فلا بدّ من معاملة التعارض بينها ، فلنشرع في ذكر أدلة الاحتياط بعون الله تعالى.
فنقول : استدلّوا على وجوب الاحتياط فيما نحن فيه بالأدلّة الثلاثة :
الدليل الأول : الكتاب ، فإنّه ورد فيه بعض الآيات الدالة على عدم الوقوف في ما ليس فيه علم ، وعدم الإفتاء بغير علم ، وفيما نحن فيه يكون القول بالإباحة قول بغير علم ، وأيضا ما يدلّ على الاحتياط والورع والاتّقاء.
وفيه : أنّه أمّا بعض من لا يقول ولا يفتي لا بالحرمة ولا بالإباحة ولا يفتي أصلا ، بل يعامل مع المشتبه معاملة الإباحة فهو لا يفتي بغير علم ، وأمّا عمله فيكون لأجل حكم العقل وبعض الآيات والأخبار.
وأمّا من يفتي بالإباحة فهو أيضا لا يكون عن غير علم ، إذ بعد ما أثبت وجوب اتّباع حكم العقل فهو يفتي بمقتضى حكم العقل ، ومع قطع النظر عن ذلك يفتي بمقتضى بعض الآيات والأخبار ، فلا يكون بغير علم.
وأمّا ما يدلّ على الورع والتقوى فلا يخفى عليك أنّ للفتوى مراتب ، وليس بتمام مراتبها واجبة ، ولا يكون الاتّقاء عن محتمل الحرمة واجبا ، وليس هذا من بعض مراتبه الواجبة.
الدليل الثاني : بعض الأخبار ، وهو أيضا طوائف :
فطائفة منها تدلّ على ما يستفاد من الآيات التي استدلّوا بها ، أعني تدلّ على عدم الوقوف على غير علم ، أو عدم الإفتاء بغير علم ، والجواب عن هذه الطائفة هو عين الجواب عن الآيات التي تمسّكوا بها ، أعني دليلهم الأول.
وطائفة منها تدلّ على الوقوف عند الشبهة ، معلّلا بأنّ الوقوف خير من الاقتحام في الهلكة ، وهذه الطائفة على اختلاف مضامينها تكون كثيرة بحيث لعلّها تكون متواترة ، ولكن لا يمكن الاستدلال بها للاحتياط في المقام ، حيث إنّه غاية ما