فلو لم نقل بالأخذ بظهور العام في عمومه وحمل الأمر على الاستحباب حتى كان لازمه هو استحباب الاحتياط في كل الموارد حتى في الشبهة الموضوعية فلا أقلّ من الترديد والإجمال ، ولا ترجيح لظهور الأمر في الوجوب ، فعلى هذا لا يثبت وجوب الاحتياط.
وطائفة من الأخبار هي أخبار التثليث ، مثل قوله : «إنّما الامور ثلاثة ... الى آخره» ، وهذه الأخبار أيضا لا تكفي لإثبات الاحتياط وعدم جريان البراءة في المقام.
أمّا ما ورد منها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله فيمكن حملها على صورة إمكان الفحص ، ولا إشكال في عدم جريان البراءة مع التمكّن والقدرة على الفحص عن الحكم ، وأمّا غيرها فعلى تسليم دلالتها معارضة مع ما قلنا من الأخبار الدالة على البراءة ، وعدم ايجاب التوقف والاحتياط ، فلا بدّ من حمل أمرها على الاستحباب ، كما هو البناء في كلّ من الخبرين الدالّ أحدهما على وجوب شيء والأخر على عدمه.
وإن أبيت عن ذلك أيضا فيقع بينهما التعارض ، واذا تعارضا تساقطا فنحكم بالبراءة أيضا بمقتضى حكم العقل. هذا كله مع ما في هذه الأخبار من الخدشة ، مثل أنّه يلزم تخصيص الأكثر ، أو دوران الأمر بين حفظ ظهور العامّ في عمومه وبين حفظ ظهور الأمر في الوجوب ، ولا يكون ظهور الأمر حفظه ألزم من ظهور العام ، فظهر لك أنّ الأخبار مع كثرتها لا تكون طائفة منها ولا واحدة منها دالّة على وجوب الاحتياط فيما نحن فيه.
الدليل الثالث الذي أقاموه على وجوب الاحتياط هو دليل العقل ، وهو على وجهين :
الوجه الأول : هو أنه نعلم إجمالا بأحكام في الدين ، ولا بدّ من العمل بما يكون طرفا للعلم الإجمالي فيجب الاحتياط في المشتبهات ، ولا يخفى عليك أنّه لا إشكال