وبهذا التقريب لا يرد إشكال النائيني رحمهالله من أنّ السببية انتزاعية وليست مجعولة وما كانت قابلة للجعل ؛ لأنّ السببية عبارة عن رشح ، والإضافة التي تأتي فهي من الجهة التكوينية ، وليس هذا من ناحية جعل الشارع ؛ لأنّه بعد كون سببيته سببية اعتبارية نزّلها الشارع اعتبارا منزلة السبب فلا مانع من جعله ، ولكن لا يمكن الذهاب الى هذا الاحتمال ، لأنّ معنى كون السببية سببية اعتبارية وتعلّق بها الاعتبار إن كان معناه أنّ اعتبار السبب يكفي في اعتبار المسبّب كما لو اعتبر الدلوك سببا يكفي اعتباره عن اعتبار وجوب الصلاة ، أو لو اعتبر «بعت» سببا للملك يكفي اعتباره عن اعتبار الملكية فيكون لازم ذلك هو أن لا يكون الوجوب وكذا اعتبار الملكية تحت اختيار الشارع ، ويلزم أن لا يكون الوجوب مستندا اليه ، وهذا واضح الفساد.
وإن كان معناه أنّه يكون اعتبارين وجعلين : أحدهما متعلقا بالسبب ، والآخر بالمسبب ، بمعنى أنّ الشارع اعتبر الدلوك واعتبر وجوب الصلاة أيضا ، فيكون لازم ذلك عدم كون السبب سببا ؛ لأنّه لو كان سببا فلا بدّ من ترتّب مسبّبه عليه ولا حاجة الى اعتبار آخر ، بل جعل المسبّب مغن عنه ، فهذا شاهد على أنّ الشارع لم يعتبر السبب ولم يجعله ، بل فعله ليس إلّا صرف الوجوب عنده ومقارنا له.
الاحتمال الثالث : وقد يقال فرارا عن الإشكال المتقدم في الاحتمال الثاني : بأنّ الشارع جعل السبب سببا لنفس الاعتبار لا للمعتبر ، بمعنى أنّ السبب اذا وجد يعتبر الشارع وجوب الفلاني أو الملكية ، فالسبب سبب لنفس اعتبار الشارع ، وبهذا الوجه لا يرد الإشكال المتقدم ، إذ لا يكون سببا للمعتبر حتى يقال تارة بأنّه لو كان جعلين فلا معنى لسببيته ، ولو كان جعل واحد فالمسبب ليس فعل الشارع ، لأنّه لم يقل بأنّه سبب للمعتبر ، بل هو سبب لنفس الاعتبار.
لكن مع ذلك يرد عليه اشكال آخر ، وهو : أنّه بعد ما قلنا في مطاوي كلماتنا