______________________________________________________
العين ما دامت موجودة ، لا يتعلق بالذمة شيء سوى وجوب ردها ، ومعلوم أن الإبراء ليس من هذا ، إنما الإبراء من مقتضى الغصب ، وهو ضمانها عند التلف.
فان قلت : إذا كانت العين موجودة ، فهنا أمران : وجوب ردها على الفور ، لكون يد الغاصب يد عدوان ، وضمانها عند التلف ، وهو أثر ذلك ، فإذا أبرأه تعلق الإبراء بالأمر الأول ، فيسقط الثاني وهو أثره.
قلت : الضمان أثر يد العدوان ، لا أثر وجوب الرد على الفور ، والإبراء إنما يسقط به الحق الثابت في الذمة ، لا كون اليد يد عدوان ، ونحوه. وإنما يزول عدوان اليد ، بان تصير يد أمانة ، ولا دخل للإبراء في ذلك ، وما دام وصف العدوان ثابتا فالضمان بحاله.
وما ذكره في توجيه الوجه الثاني من وجهي الإشكال لا محصل له ، لأن وجود سبب وجوب الشيء لا يقتضي صحة تعلق الإبراء بذلك الشيء ، الذي لا تحقق له ، فلهذا كان الأقرب أنه لا يبرأ بذلك ، ولا تصير يده يد أمانة ، وإنما يبرأ بالرد اليه ، أو بأن يستنيبه في الحفظ عنه ، وإثبات اليد على الظاهر في الثاني ، لأن يده يده حينئذ.
ولا يقال : إن التأدية غير صادقة على هذا ، لأنا نقول : يكفي فيها التأدية بالاعتبار ، فهو باعتبار كونه غاصبا مؤد ، وباعتبار كونه وكيلا في إثبات اليد على المالك آخذ.
فان قيل : قد اختار فيما سبق أن ضمان الغاصب يزول بالرهن ، فكيف لا يزول بالإبراء؟
قلت : لو صح ذلك لم يكن بينه وبين هذا منافاة ، لأن المقتضي للزوال هناك كون الرهن أمانة ، وهو سبب غير الإبراء ، ولا يمتنع إمكان أحد السببين وامتناع الآخر.