كونها منتزعة عن التكليف ، وهذا دور واضح.
الدليل الثاني : أنّه بعد بداهة لا بدّيّة ربط خاصّ بين العلة والمعلول ، بمعنى أن يكون في العلّة الحيثية التي يتولّد منها المعلول ، وإلّا لو لم يلزم ذلك فيلزم أن يمكن أن يكون كلّ شيء علّة لكلّ شيء ، فعلى هذا لو كان في السبب هذه الحيثية التي يتولّد منها المسبّب فيمكن أن يكون سببا له ، وإن لم يكن هذه الحيثية فلا يصير سببا له ، وجعل الشارع وعدم جعله لا تأثير له ؛ لأنّه لو كان فيه هذه الحيثية فيصير سببا ولو لم يجعله الشارع سببا ، ولو لم يكن فيه هذه الحيثية فلا يصير سببا ولو يجعله الشارع سببا ، مثلا دلوك الشمس لو كان فيه تكوينا سبب لوجوب الصلاة لأجل ما فيه من الخصوصية فلو لم يجعله الشارع سببا يكون سببا ، ولو فرض أنّه لم يكن فيه الخصوصية المستدعية لذلك تكوينا فحتى لو جعله الشارع سببا لا يصير سببا.
فظهر لك أنّ السببية والشرطية والمانعية والرافعية للتكليف لا تكون مجعولة استقلالا ولا تبعا ، ولا منتزعة من التكليف ؛ لما قلنا ، بل هي منتزعة تكوينا ؛ لأنّه بعد ما كان في السبب خصوصية صيرورته سببا وكذلك في أخواتها فالعقل ينتزع السببية وأخواتها من هذا التكوين.
ولكن لا يخفى عليك أنّ ما قاله هذا المحقّق صحيح ، ونحن أيضا متّفقون معه في التكوينيّات ، ولكنّ فيه : أنّ هذا لم يكن مرتبطا بما نحن فيه أصلا ؛ لأنّ كلامنا كان في أنّ الأحكام الوضعية هل هي منتزعات أو مجعولات وقلنا بأنّ مرادنا من الحكم هو المحمول الذي يحمل على الموضوع من ناحية دخل الشارع ، بحيث إنّه لو لم يكن الشارع لا تحمل هذه المحمولات على الموضوعات ، سواء كان دخل الشارع دخلا تأسيسيا ، أو إمضائيا ، وقلنا بأنّ النزاع يكون في أنّ الأحكام الوضعية مجعولات كالأحكام التكليفية ، أو منتزعات من التكاليف ، فعلى هذا أنّ ما قاله لا ربط له في المقام أصلا ، بل نزاعنا في أنّه بعد كون الأحكام التكليفية ليست من الامور الحقيقية