المعلوم أنّ هذا الشيء إمّا واجب وإمّا حرام فكيف تجري أصالة الإباحة؟ وأمّا البراءة فلا بدّ من جريان أصالة براءة للوجوب وأصالة براءة اخرى للحرمة ، ولا يكفي إجراء أصالة براءة لواحد ، ولكن لا حاجة الى إجراء أصالة البراءة ؛ لأنّ مع عدم تنجّز العلم الإجمالي يقطع بالمؤمّن من العقوبة فلا حاجة الى اصالة البراءة.
وأمّا حديث الرفع فحيث كان أمر وضعه ورفعه بيد الشارع لا يمكن جريانه فيهما ، لأنّ وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي يكون من باب حكم العقل ، فليس أمر وضعه ورفعه بيد الشرع حتى يرفعه الحديث ، فأمّا الاستصحاب يعني البناء على الحالة السابقة والحكم بعدم الوجوب والحرمة فهو أيضا لا يجري ، لأنّه يعلم بانتقاض الحالة السابقة للعلم بحكم شرعي.
ولكن لا يخفى عليك أنّه على ما التزم به هذا الشخص من عدم تنجيز العلم فيكون العلم كالعدم ، فعلى هذا لا مانع من جريان أصالة الإباحة ؛ لأنّ المانع منه يكون هو العلم ، ومن المفروض أنّ العلم غير منجّز ، وأمّا أصالة البراءة فهو على تقدير عدم تنجّز العلم يكون محتاجا اليها ، لأنه ولو لم يكن علم على هذا في البين إلّا أنّه لم يكن العقاب على التكليف غير المنجّز غير جائز ، فلا بدّ من أن تقول بأنّ العقاب على التكليف غير المنجّز يكون لأجل قبحه ، فاذا كان عدم العقاب لقبحه فهذا معنى أصالة البراءة ، لأن البراءة ليس إلّا قبح العقاب من غير بيان.
وأمّا حديث الرفع فجريانه في أطراف العلم لا يمكن ، لما قيل من أنّ الحكم بالاحتياط في الأطراف يكون بحكم العقل ، فليس أمر وضعه ورفعه بيد الشارع كي يرفعه ، ولكن كما قلنا سابقا : لا إجمال في العلم ، وللشارع أن يرفع ما يكون حكمه في المقام ، فحكم الشارع إمّا يكون الوجوب أو الحرمة ، وحيث إنّ وضع هذا الحكم ورفعه بيد الشارع ، فاذا رفع الشارع حكمه الذي يكون في البين فيرتفع حكم العقل الذي كان بتبع حكم الشارع بالاحتياط في أطراف الشبهة مقدمة لحفظ حكم الشارع.