__________________
ويجوز أيضاً أن يستقرض من مال اليتيم ويتّجر لنفسه ، وشرطه في الحالين أن يكون مليّاً ، أي أن يكون له مال بقدر ما يحيط بمال اليتيم حتّى يضمن إن عطب. وقد مضى ما يدلّ على عدم الجواز ، وهو محمول على الكراهة ، أو عدم كونه مليّاً. وهذا الاشتراط يدلّ على الضمان مطلقاً ، فالوليّ إذا اتّجر بمال اليتيم فهو له ضامن ، سواء استقرض واتّجر لنفسه ، وهو ظاهر ، أو اتّجر لليتيم. ولو لم يكن ضمان ، لم يكن معنى لاشتراط كونه مليّاً. واستثنى من ذلك الأب والجدّ فيجوز لهما الاستقراض ولو مع الإعسار ، والله العالم.
ولا ريب أنّه لا يجب التجارة لليتيم ولو مع ظهور النفع ؛ لأنّ خطر التلف يعارضه ، فيجوز ترك المال الصامت ؛ أعني النقدين والأمتعة من غير أن يحرّكه ، إلاّ أن يكون ممّا يفسده البقاء ، فيجب بيعه وتعويضه بما لا يفسد ، مثل اللبن المحلوب والفواكه إذا حصل من أنعام اليتيم وبساتينه ، ولا يجوز تركها بحالها. وهكذا يجب حصاد زرعه ودوسه. وقيل : إنّ الآية الكريمة( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [ الأنعام (٦) : ١٥٢ ؛ الإسراء (١٧) : ٣٤ ] تدلّ على أنّ الفعل الثبوتي يجب أن يكون مشتملاً على مصلحة ، وأمّا ترك مال اليتيم بحاله وعدم التعرّض له بشيء فهو جائز وإن لم يكن مصلحة في الترك أصلاً. وهذا قول ضعيف ، بل لا فرق بين الفعل والترك ، وكلاهما يجب أن يكونا لمصلحة ، وإنّما لا تجب التجارة ؛ لأنّها تحصيل مال مع تعرّض لخطر ، وتحصيل المال غير واجب ، وأمّا حفظ المال الموجود فواجب ، سواء كان بالفعل الإيجابي أو الترك. ويحرم كلّ شيء يضرّ بمال اليتيم وينقصه ، سواء كان بالفعل الإيجابي أو الترك أيضاً ، على أنّي لا احقّق وجود هذا القول وإنّما سمعت مشافهة ولم أر مكتوباً.
ويستفاد من كلام الشيخ المحقّق الأنصاري قدسسره إنّ الفعل الإيجابي ، أي التصرّف في مال اليتيم يجب أن يكون على الوجه الأصلح ، أمّا تركه بحاله وعدم التصرّف فيكفي فيه عدم المفسدة ، ولكن ظاهرهم جواز الاستقراض من مال اليتيم ، وهو فعل إيجابي مع عدم مصلحة فيه ، بل يكفي عدم المفسدة بأن يكون الولي مليّاً ، فلو قيل بعدم الفرق كان حسناً ، مع أنّ تحرّي الأصلح حرج شديد ، بل هو أمر غير محدود.
قال الشهيد في القواعد : هل يجب على الوليّ مراعاة المصلحة في مال المولّى عليه ، أو يكفي نفي المفسدة؟ يحتمل الأوّل ؛ لأنّه منصوب لها ، ولأصالة بقاء الملك على حاله ، ولأنّ النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ، والعدميّات لاتكاد تقع غاية. وعلى هذا هل الحريّ الأصلح ، أم يكتفى بمطلق المصلحة؟ وجهان : نعم ؛ لمثل ما قلنا. لا ؛ لأنّ ذلك لا يتناهى.
أقول : لا يصدر الفعل عن أحد إلاّلترجّح ومصلحة ، وفائدة البحث إنّما تظهر في أنّ الوليّ إن تصرّف في مال اليتيم تصرّفاً لا يضرّ اليتيم ولكن يفيد غيره ، أو يفيد الوليّ ، كأن يبدّل دراهمه دنانير ؛ لأنّ حفظ الدنانير أسهل عليه من حفظ الدراهم ، أو أخذ بالشفعة ؛ لأنّ حفظ المال المختصّ أسهل من المشترك على الوليّ ، أو باع طعامه وتمره من قوم جياع ؛ لأنّه لا يضرّ اليتيم ويفيد المشترين بسدّ الجوع ، وهذا ؛ فالأولى الحكم بالجواز مع عدم المفسدة.