التكليف عدم حكم في الواقع ، ولكن على ما قلنا عدم الدليل كاشف عن عدم الحكم في الواقع أصلا ، فتدبّر.
التنبيه الثاني : لا يخفى عليك أنّه على ما قلنا بمقتضى الأدلة السابقة للبراءة هو عدم عقاب في ارتكاب المشتبه ، كما يستفاد ذلك من حكم العقل وبعض الأخبار ، ولا يكون حكم مستفادا أصلا ، بل المستفاد جواز الارتكاب عملا وعدم العقاب على تقدير مخالفته مع الواقع ، ويستفاد من بعض الأخبار الإباحة الظاهرية ، إلّا أنّه مع ذلك لا يكون منافيا مع الحكم في الواقع.
ولكنّ هذا على ما مشى عليه بعض المتقدّمين الذين قالوا بالبراءة لأجل الاستصحاب ، غاية الأمر استصحاب حال العقل ، وأنّ الأصل عدم ورود الحكم ، فعلى هذا يكون الحكم فيما نحن فيه بالبراءة بمقتضى الاستصحاب ، وعلى هذا يكون من الظنون ؛ لأنّ حجّية الاستصحاب عندهم كان من باب الظنّ ، غاية الأمر ظنّ نوعي ، فعلى هذا يكون الاستصحاب والبراءة من الأمارات ، وبمقتضى البراءة أو الاستصحاب ينفى الواقع ونحكم بعدم حكم واقعا ، بخلاف ما قلنا فلا يكونان على هذا حكما ظاهريا بحيث لا يتنافى مع الحكم الواقعي غير الفعلي في موردهما ، بل بعد استصحاب العدم ينفى الواقع وأنه ولا يكون حكم في الواقع أصلا ، ويكونان على هذا من الأمارات.
ولكن مع ذلك في مقام التعارض بينهما وبين سائر الأمارات يكون سائر الأمارات مقدّما عليهما ؛ لأنّ موضوعهما هو عدم الدليل على الواقع ، واذا قامت أمارة اخرى على خلافهما يكون دليلا ، مثل ما لو قلنا بمقتضى الاستصحاب بعدم حرمة شرب الخمر ، فموضوع الاستصحاب هو عدم الدليل على حرمة شربه ، واذا قام خبر الواحد على حرمة شربه فلا يقع بينهما التعارض ، بل لا بدّ من تقديم خبر