فعلى هذا ظهر لك : أنّ اللفظ وإن كان موضوعا لمعنى إلّا أنّه يمكن استعماله في غيره بالقرينة ، ولكن لو كان المتكلّم بصدد بيان مراده ولم يكن بصدد الإجمال والإهمال ولم ينصب قرينة على خلاف ظاهر لفظه فمن المقطوع أنّ ظاهر كلامه مراد له ؛ لأنّه لو كان بصدد بيان مراده ولم يكن ظاهر اللفظ مرادا له فلو لم ينصب قرينة لأخلّ بغرضه وهو قبيح ، فعلى ذلك ظاهر كلامه يكون مرادا له قطعا وهذا ممّا لا سترة عليه ، ففي ما يكون كذلك يكون الظاهر مرادا له بالقطع لا بالظنّ ، ومن المسلّم أنّ نظر الشارع أيضا يكون كذلك ، لما قلنا من أنّ الشارع أيضا يكون تابعا للعرف ، خصوصا مع ما قال الله سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) نعم ، يمكن للشارع أن يضع لفظا لمعنى غير ما يكون موضوعا له عند العرف ، كما يكون الأمر كذلك في الحقائق الشرعية ، ولكن مع ذلك فلو أنّ الشارع وضع ألفاظا لمعان غير ما يكون موضوعا له كما لا بدّ وأن يكون ، مثل العرف في مقام تفهيم مراده فلا بدّ من أن يفهم مراده بالألفاظ ، واذا كان مراده غير ما هو اللفظ ظاهر فيه فلا بدّ له من نصب القرينة اذا كان في صدد تفهيم مراده ، وإلّا لأخلّ بالغرض ، وهو قبيح ، مع أنّ الشارع لا يكون له طريق خاصّ مسلّما ، ولو كان له طريق خاصّ لا بدّ من الإعلام عنه ، فاذا كان الشارع في صدد البيان فاستعمل اللفظ قطعيا يكون مراده ظاهر اللفظ اذا لم ينصب قرينة على خلاف الظاهر ، لما قلنا من أنّه لو كان غير ذلك لأخلّ بالغرض ، فافهم.
فاذا لقي المتكلم اللافظ فالمخاطب حيث إنّه يحتمل أن لا يكون المتكلّم في مقام البيان ، أو يحتمل أن يكون مراده غير ظاهر اللفظ وعدم نصب القرينة يكون لأجل النسيان ، أو لأجل أنّه نصب القرينة ولكن لم تبلغ المخاطب كما يكون غالبا في كلام الشارع هذا الاحتمال ، فحيث إنّ المخاطب يحكم بمقتضى الأصل يكون المتكلم في مقام بيان المراد وأن الأصل عدم النسيان ، وأنّ الأصل عدم نصب القرينة ، وهذا هو البناء عند العقلاء في محاوراتهم ، حيث إنّهم في مورد الشكّ في هذه الامور لم يعتنوا