يكون غير هذه الموارد ، ففي موارد الجمع العرفي لا تعارض بين الدليلين حتى تصل النوبة الى قضايا باب التعارض.
وفي غير هذه الموارد لا بدّ من إعمال ما يعمل في باب التعارض ، ولو أمكن الجمع بين الدليلين بنحو لا يساعده العرف ؛ لأنّ هذا جمع تبرّعيّ ولا شاهد عليه.
وما قيل من أنّ (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) إن كان المراد فيما يمكن الجمع العرفي فيكون كلاما في محلّه ، وإن كان المراد فى غير الموارد الّتي قلنا فلا وجه لهذا الكلام ، وهذا الكلام أعني (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) ولو أنّه يرى في كلمات القدماء فإنّ هذا الكلام موجود في الرسالة التي كتبها المفيد رحمهالله في اصول الفقه ، وهذه الرسالة هي أول كتاب ألّف في اصول الشيعة ، وفي كلام شيخ الطائفة رحمهالله الكثير من هذا خصوصا في الاستبصار ، ولكن ليس نظرهم من أنّ «الجمع مهما أمكن أولى من الطرح» الى ما يريد المتأخرون منه ، فإنّ المتأخرين إن قالوا بهذا في فيقولون في مقام كون التعارض بين الدليلين ويكونون في مقام رفع التعارض للعمل بهما ويجمعون بنحو بأنّ (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح).
وأمّا المتقدمون فيقولون بذلك في مقام دفع التنافي بين الخبرين مع قطع النظر عن مقام العمل ، فيلقون بعض الاحتمالات لرفع التنافي بين الخبرين المتعارضين ، ولكن لا يعلمون بهذه الاحتمالات ، ويقولون بعد بيان بعض الاحتمالات في توجيه الخبرين بحيث يرفع التعارض بأن (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) ويكون تدوين خصوص كتاب الاستبصار أصلا لأجل هذا ، فإنّه بعد ما رأى الشيخ رحمهالله أنّ العامة طعنوا على الشيعة بأنّ بين أخبارهم التّنافي فصار الشيخ رحمهالله في مقام دفع هذا الإيراد ، وألّف كتاب الاستبصار ، ولم يتعرض في هذا الكتاب إلّا للأخبار المتعارضة ، وبعد التعرض لكلّ من الخبرين المتعارضين أو الأخبار المتعارضات أبدى بعض الاحتمالات لرفع التنافي بينها ، وما أبدى من الاحتمالات ليس فتواه