وأمّا في الصحة والفساد فبناء على كونهما عبارة عن موافقة الامر وعدم موافقته كما فسّرها المتكلّمون فالشارع بعد وجوب الشيء لو أتى به المكلف ينتزع العقل الصحة من فعله ، والمطابقة وعدمها ليس وظيفة الشرع ، فالعقل ينتزع هذا من فعل المكلف ، مثلا بعد وجوب الحجّ لو أتى به المكلف عمّا هو عليه فالعقل حيث يرى أنّ هذا الفعل الخارجي صار موافقا مع المأمور به فباعتبار مطابقة هذا مع المأمور به ينتزع منه الصحة ، وكذلك الأمر في الصحة والفساد ، فالصحة والفساد منتزعان عن الخصوصية التي تكون في فعل المكلف ، ولكن مع ذلك تكونان من الأحكام الوضعية ومجعولتان بالعرض ؛ لأنّه لو لم يكن حكم الشارع فلا معنى للصحة والفساد ؛ لأنّه لم يكن أمر حتى اذا أتى به موافقا ينتزع منه الصحة أو غير موافق فينتزع منه الفساد ، فالفرق بين الجزئية وأخواتها وبين الصحة والفساد هو ما قلنا من أنّ الجزئية وأخواتها منتزعات من خصوصية نفس حكم الشارع ، سواء أتى به المكلف أم لا ، فبعد حكم الشارع بوجوب السورة في الصلاة ـ مثلا ـ انتزع الجزئية ، سواء أتى بها المكلف أو لا ، وهذا بخلاف الصحة والفساد فهما منتزعان عن خصوصية فعل المكلف بحيث ما لم يأت به المكلف لا معنى لانتزاع الصحة أو الفساد ، فافهم.
وكذلك على تفسير الصحة بإسقاط القضاء والفساد بعدم إسقاط القضاء باصطلاح الفقه ؛ لأنّه لا إشكال في أنّ الفعل بعد وقوعه في الخارج لو كان موافقا لما امر به فيسقط قضاؤه ، فأيضا العقل بعد ما يرى أنّ الفعل وقع في الخارج عمّا هو عليه فيكون مسقطا للقضاء ، فعلى هذا الصحة والفساد انتزعا عن حيث هذا الفعل الخارجي ، فبعد إتيان المكلّف بالحجّ ووقوعه في الخارج عمّا هو عليه فيسقط القضاء عنه فينتزع الصحّة ، فالعقل ينتزع الصحة من فعل المكلف الحجّ في الخارج ، وكذلك في الفساد ، فالصحة كما قاله المحقّق الخراساني رحمهالله هي التمامية ، والتعبير بها بموافقة الأمر أو إسقاط القضاء إنّما هو لأجل ما يرغب منه من الآثار التي بالقياس اليهما متّصف بالتمامية ، فعلى كلّ حال تمامية هذا الشيء تكون بحصول هذا الشيء المنتزع