اليقين هنا مأخوذا على نحو الموضوعية أو الصفتية ، بل هو طريق لكن هل هو مرآة للمتيقن ، أو ليس مرآة للمتيقن ، وكونه مرآة سواء كان بنحو المجاز ـ يعني إرادة المتيقّن من اليقين ـ أو كان بنحو الكناية؟ مثل «زيد كثير الرماد» فجعل اليقين كناية عن المتيقن ، وعلى كلّ تقدير في كلا الصورتين مجازا كان أو كناية يكون اليقين على هذا الاحتمال مرآة للمتيقّن ، ولكن على الاحتمال الآخر لا يكون اليقين مرآة بل لوحظ استقلالا.
اذا عرفت مورد الكلام فنقول بعونه تعالى : إنّه لا إشكال بأنّه في التنزيل ـ يعني جعل شيء بمنزلة شيء آخر ـ لا بدّ وأن تكون جهة التنزيل بيد المنزّل ، وإلّا لا يمكن التنزيل في هذه الجهة ، إذ ليس أمرها راجعا اليه ، مثلا ما هو وظيفة العقل ولم يكن من وظائف الشرع فليس للشرع جعل التنزيل ، فعلى هذا في المورد نقول بأنّه لا يمكن أن يكون اليقين استقلالا مرادا في أخبار الباب ؛ لأنّه لا إشكال بأنّ اليقين لا أثر له إلّا تنجيز متعلقه ، وكما قلنا في بعض المقامات ولا شبهة فيه : إنّه ليس هذا بيد الشرع ، بل هو بحكم العقل ومن وظائفه ، فاذا كان الأمر كذلك فالشارع لو جعل نفس اليقين استقلالا موضوعا للتنزيل باعتبار أثره فلا بدّ من تنزيل الشك بمنزلة اليقين من حيث الأثر ، ومع فرض عدم أثر له إلّا التنجيز فتنزيل الشارع أيضا لا بدّ وأن يكون في التنجيز ، ومع عدم كون هذا بيد الشرع فليس للشارع تنزيله ، فلا بدّ وأن يكون الإسناد الى اليقين باعتبار كونه مرآة للمتيقن فإنّ له الأثر وأمره بيد الشارع ، وهذا هو السرّ في ذهابهم الى كون اليقين مرآة للمتيقن ، فتدبّر.
ولكنّ هذا كلّه يكون لأجل ذهابهم في الاستصحاب الى أنّ ما فعله الشارع هو جعل المماثل ، فلا يمكن لهم أن يقولوا بأنّ اليقين اخذ طريقا استقلالا لا مرآة.
وأمّا على ما قويناه في أول الاستصحاب من أنّ الشارع أمر بالمكلف بالبناء على اليقين وبأن تجعل الشك كاليقين فليس فعل الشارع إلّا الأمر بالبناء ، فالمكلف