ومنها : قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.)
وجه الاستدلال : أنّه لا يكون الهلاك إلّا مع البيان ، وهذه الآية وإن كانت واردة في الجهاد إلّا أنّه لا خصوصية للجهاد ، كما ترى أنّ العلماء كثيرا ما يتمسّكون بها خصوصا في اصول الدين. نعم ، يمكن الإشكال عليه فيها باختصاصها باصول الدين.
ولكنّ هذا أيضا فاسد ، ولا اختصاص له به. ولكن يرد على هذه الآيات الثلاثة الأخيرة : أنّ غاية ما يثبت بها هو عدم العقاب من غير بيان ، وأمّا لو دلّ دليل على وجوب الاحتياط يكون بيانا ولا تقاوم هذه الآيات معه ، فتدبّر.
ومنها : قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً.)
اعلم : أنّه تارة يستدل بالآية ويتمسّك بها لإثبات الحكم الواقعي ، حيث إنّ هذه الآية من العمومات ، فكما أنّ سائر العمومات يستفاد منها الحكم الواقعي فكذلك هذه الآية يثبت بها الحكم الواقعي ، غاية الأمر لو ورد خاصّ مناف لعمومه يخصّص به عمومه ، فعلى هذا التّقدير لا يمكن التمسّك للمطلب بهذه الآية ؛ لانّه بعد كونها في مقام بيان الحكم الواقعي لا يمكن استفادة الحكم الظاهري.
وتارة لم نقل كذلك ، بل نقول : إنّ المستفاد من الآية هو عدم إمكان الحكم بالحرمة بصرف عدم الوجدان ؛ لأنّه قال : (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ...) الى آخر الآية.
وعدم الوجدان في النبي صلىاللهعليهوآله وإن كان مساوقا مع عدم الوجود إلّا أنّ التعبير بعدم الوجدان شاهد على أنّه بصرف عدم الوجدان لا يكون محرما ، فعلى هذا تكون الآية شاهدا لما نحن فيه.
ولكن لا يخفى عليك عدم إمكان التمسّك بالآية لما نحن فيه :