سواء كان هذا الأمر أثر العقلي أو الشرعي.
فظهر لك أنّ في صورة العلم ليس حكم بوجوب الاتّباع عقلا ، فالعلم غير قابل للحكم ، فلا مجال بعد ذلك للتكلّم في أنّه غير قابل للجعل التشريعي لا إثباتا ولا نفيا ، لما قلنا من عدم كونه قابلا لتعلّق الحكم به أصلا لا عقلا ولا شرعا ، هذا حال العلم من أنّه بعد حصوله لا إشكال في ترتّب أثر الواقع على المعلوم ، وأمّا الجهل المركّب فلا يترتّب عليه أثر الواقع ؛ لأنه ليس هداية بل جهالة وضلالة ، ولا يكون علما بل هو جهل أشدّ جهل فكيف يترتّب عليه أثر العلم؟ غاية الأمر لو لم يقصّر في مقدماته يكون معذورا لا لأجل اعتقاده الباطل واقعا حتى يقال : إنّ الواقع له أثر والواقع يترتّب عليه ، والجاهل المركّب لم يكشف له الواقع ، بل لأجل أنّ جهله عذر له ، فهو معذور لكون الجاهل معذورا لو لم يقصّر في المقدمات.
فظهر لك أنّ معذورية الجاهل المركّب ليس إلّا لأجل جهله في صورة عدم تقصيره في المقدمات ، وأمّا مع تقصيره فلا يكون معذورا.
وظهر لك عدم تعلّق حكم بالقطع ، وكون التعبير بوجوب اتّباعه مسامحة ، والشاهد على هذا هو أنّ في بعض الموارد لا معنى لوجوب الاتباع ، مثلا : لو قطع بكون هذا المائع ماء فبعد العلم ينطبق على هذه الصغرى كبرى الواقع وهي كون الماء مباحا ، فلو كان الواجب اتّباع العلم لكان عليه لازما شربه ، وهو كما ترى ، فهذا دليل على عدم ترتّب حكم متعلّق به من العقل أو الشرع ، بل ليس أثر العلم إلّا كشف الواقع ، ولازمه ترتيب ما هو أثره في الواقع ، فافهم.
ومما قلنا ظهر لك أنّ العلم هو الاعتقاد الموافق للواقع فإن كان كبرى الواقع هو الوجوب يترتّب عليه ، وكذلك الحرمة. وتارة يكون كبرى الوقع الإباحة أو الندب أو الكراهة ، فلا معنى لوجوب الاتّباع في هذه الصور ، فالعلم غير محكوم بحكم من العقل ، كما أنّ الذي هو جهل بل من أشدّ صور الجهل أيضا غير محكوم