ولا يخفى ما في هذا الجواب من الفساد ، إذ اختصاصه بالاصول ممّا لا وجه له ، والحال أنّه يستفاد منها عدم اتّباع الظن ، أو الدليل غير العلمي مطلقا ، كما ترى من الآية الشريفة في قوله عزّ من قال : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ،) وذمّهم على العمل بالظنّ وقال : إنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئا ، فحيث إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا لا يجوز الاعتماد عليه ، ولا يكون هذا كلاما تعبديا ، بل بيّن الأمر التكويني للظن ، وأنّ الظنّ تكوينا يكون حاله أنّه لا يغني من الحقّ شيئا ، ولا يمكن التعليل بأمر تعبّدي ؛ لأنّ المنكر كيف يقنع بأمر تعبدي؟ فمن المعلوم أنّ الظنّ يكون أمره كذلك ، فاختصاصه بالاصول ممّا لا وجه له ولو كان نزوله في الاصول ، حيث إنّ هذه هي العلة ، أي عدم كون الظنّ مغنيا عن الحق في الفروع أيضا ، ولا يمكن حصول الحق بالظن فكيف يمكن التعويل عليه في الاصول كان أو في الفروع؟ فعلى هذا لو تمّت دلالة الآيات التي استدلّوا بها على حجية خبر الواحد فتكون تخصيصا لهذه الآيات الدالّة على عدم جواز العمل بغير العلم ، وإلّا فلا.
وقال بعض الأساطين : إنّ أدلة حجية خبر الواحد إمّا الآيات منها فحاكم على هذه الآيات ، لأن لسان هذه الآيات هو عدم الجواز بغير العلم ، حيث إنّ لسان الآيات الدالة على حجية خبر الواحد كان إلغاء احتمال الخلاف ، فاذا كان ذلك فيكون حاكما على الآيات الناهية عن اتّباع غير العلم. وإمّا السيرة فيكون أمرها أعلى وتكون نسبتها مع الآيات الناهية الورود ، حيث إنّ بناء العقلاء على العمل بخبر الواحد يكون معناه عدم احتمال الخلاف وعندهم لم يكن كأنه احتمال الخلاف ، بل يكون كالعلم.
ولكن فيه : أنّ لسان الدليل تارة يكون إلغاء احتمال الخلاف ، وتارة يكون عدم احتمال الخلاف فيه ، فتارة يقول بأنه لا يعتني باحتمال خلافه ، وتارة يقول : لا يكون فيه احتمال الخلاف ، فإن كان لسان الآيات الدالة على حجية الخبر الثاني ـ أعني أنه لا يكون فيه احتمال الخلاف ـ فيكون لسانها بالنسبة الى الآيات الناهية