عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : « إِنَّ الْمَصَاحِفَ لَنْ تُشْتَرى (١) ، فَإِذَا
__________________
سليمان في بعض الأسناد ، ومضمون الخبر ورد في التهذيب ، ج ٦ ، ص ٣٦٥ ، ح ١٠٥٠ عن الحسين بن سعيد ـ وقد عبّر عنه بالضمير ـ عن فضالة عن أبان عن أبي عبد الله بن سليمان ـ لكن لم يرد لفظة « أبي » في بعض نسخ التهذيب ، كما أنّه لم يذكر في الوسائل ، ج ١٧ ، ص ١٥٩ ، ح ٢٢٢٤٠ ـ فلا يبعد أن يكون الصواب في ما نحن فيه أيضاً هو عبد الله بن سليمان.
(١) قال المحقّق الشعراني في هامش الوافي : « قوله : إنّ المصاحف لَنْ تشترى ، البيع والشراء لابدّ أن يتعلّقا بشيءموجود خارجي مادّي ، أو معنى ذهني معتبر عرفاً ، فمن خصّه بالموجود العيني فقد أخطأ ؛ إذ يقال عرفاً : إنّه باع حقّه ، أو باع دينه ، أو باع حوالة وأمثال ذلك ، وقد يباع ورقاً باعتبار دلالته على دين أو مال ، لا باعتبار القرطاس ونقوش الكتابة ، كالطوابع والنوط ، فالورقة نظير المعنى الحرفي لا ينظر إليها لذاتها ، بل هي آلة لملاحظة المال الذي يستخلص بها ، ولمّا كانت أوراق المصاحف قراطيس ، لها قيمة وزادت قيمتها بالنقوش وعمل الكتابة ، ويتبادر منها عند إطلاق لفظ المصحف الدلالة على الكلام الإلهي المدلول عليه بهذه النقوش الموجودة ، فإذا قال البائع : بعتك هذا المصحف ، انصرف الذهن إلى بيع الورق المنقوش الدالّ على الكلام الإلهي من حيث دلالة النقوش على الكلام ، نظير دلالة الورقة الدالّة على الدين والمال ، اقتضى الأدب أن يتوجّه البائعون إلى أن يقصروا نظرهم في البيع إلى نفس الأوراق والنقوش والآلات من غير أن يجعلوا المدلول ، أي الكلام الإلهي متعلّقاً للبيع والشراء ، نظير المال الذي يدلّ عليه أوراق الحوالات ؛ فإنّه يصير متعلّقاً للبيع باعتبار كونه مدلولاً. وبالجملة فيجب عند بيع المصاحب أن يجرّد النظر إلى الدالّ ، ولا يقصد بيع المدلول ، كما يكون في نظائرها من أوراق الحوالات.
وأمّا بيع القرآن فإن كان المقصود من القرآن هو المصحف ـ كما يطلق في زماننا كثيراً ـ كان حكمه حكم بيع المصحف ، وأمّا إن أراد المعنى الصحيح الحقيقي من هذه اللفظة ، وهو الكلام المقروّ ، فظاهر أنّه لا يجوز بيعه وشراؤه ، وهو المدلول الذي قلنا : إنّ ملاحظته توجب بطلان بيع المصحف فيكون بيعه مستقلاًّ أولى بالبطلان ، فظهر أنّ حرمة بيع المصحف تشريف وتعظيم وأدب وتكليف ، متعلّق بقصد البائع والمشتري ، وإلاّ فلا ريب أنّ القراطيس والنقوش والحليّ وسائر الآلات تدخل في ملك المشتري وتخرج من ملك البائع ، وأنّ النقوش من حيث هي نقوش وكتابة قابلة للانتقال من مالك إلى مالك ، وأنّ النقوش من الصفات المنضمّة إلى الأعيان بالنسبة التي تزيد بسببها الرغبة وتزيد بها القيمة ، وأنّ نقلها مقصود للمتبايعين ، كما عبّر عنه في حديث عبد الله بن سليمان : أشترى منك ورقة وأديمة وعمل يديك بكذا وكذا ، والمقصود بقوله : عمل يديك. مازاد في الأوراق من الصفات بعمل يديك. والشيخ المحقّق الأنصاري رحمهالله إستشكل في بيع النقوش ، وحاصل كلامه أنّ النقوش إن عُدَّت من الصفات لا تكون متعلّقة للبيع فلا معنى للنهي عنه ، وإن عدّت من الأعيان فلابدّ إمّا أن تنتقل الى المشتري وهو البيع المنهيّ عنه ، أو يبقى على ملك البائع فيبقى شريكاً للمشتري ؛ فإنّه يملك النقوش والمشتري الأوراق ، ثمّ قال : فالظاهر أنّه لا مناص عن التزام التكليف الصوري ، أو يقال : إنّ الخطّ