أَنَّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَوَّلُ مَنْ دَعَا إِلى نَفْسِهِ ، وَدَعَا إِلى طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ ، فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ ، فَقَالَ : ( وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ (١) وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢) ثُمَّ ثَنّى بِرَسُولِهِ ، فَقَالَ : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ (٣) وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٤) يَعْنِي بِالْقُرْآنِ (٥) ، وَلَمْ يَكُنْ دَاعِياً إِلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ اللهِ ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ (٦) فِي كِتَابِهِ ، وَالَّذِي (٧) أَمَرَ أَنْ لَايُدْعى إِلاَّ بِهِ ، وَقَالَ فِي نَبِيِّهِ (٨) صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٩) يَقُولُ : تَدْعُو (١٠) ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ بِكِتَابِهِ أَيْضاً ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى : ( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (١١) أَيْ يَدْعُو ( وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (١٢) ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ (١٣) إِلَيْهِ بَعْدَهُ وَبَعْدَ رَسُولِهِ فِي كِتَابِهِ ، فَقَالَ : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ (١٤) أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
__________________
هذا التدريج أنّه يلزم أن يكون الداعي بعدهم مثلهم ، ودعوتهم موافقة لدعوتهم ، ويكون عالماً بما دعوا إليه ، فلذا قال عليهالسلام : يعرّف بعضها بعضاً ».
(١) قال الراغب : « ( لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) أي السلامة ». المفرادات ، ص ٤٢٣ ( سلم ). وراجع أيضاً : جوامعالجامع ، ج ٢ ، ص ١٢٢.
(٢) يونس (١٠) : ٢٥.
(٣) في البحار : « قيل : المراد بالحكمة : البراهين القاطعة وهي للخواصّ ، وبالموعظة الحسنة : الخطابات المقنعةوالعبر النافعة وهي للعوامّ ، وبالمجادلة بالتي هي أحسن : إلزام المعاندين والجاحدين بالمقدّمات المشهورة والمسلّمة ». البحار ، ج ٢٩ ، ص ٢٦٣.
(٤) النحل (١٦) : ١٢٥.
(٥) في الوسائل : « القرآن ». وفي المرآة : « يعني بالقرآن ، تفسير للحكمة ، أو التي هي أحسن أو الأعمّ ».
(٦) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والوسائل. وفي المطبوع : + « [ به ] ».
(٧) في الوسائل والتهذيب : « الذي » بدون الواو.
(٨) في حاشية « بث » والتهذيب : « لنبيّه ».
(٩) الشورى (٤٢) : ٥٢. وفي المرآة : « قوله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي ) أي هدايته صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما هي بالدعوة ، وأمّا الهدايةالموصلة فهي مختصّة به تعالى ».
(١٠) في « بث » : « يدعو ».
(١١) قال المحقّق الطبرسي رحمهالله : « معناه : إنّ هذا القرآن يهدي إلى الديانة ، والملّة ، والطريقة التي هي أشدّ استقامة ». مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٢٢٥.
(١٢) الإسراء (١٧) : ٩.
(١٣) في « ى » : « بالدعاء ».
(١٤) « من » هاهنا للتبعيض على قول أكثر المفسّرين ؛ لأنّ الأمر بالمعروف وإنكار المنكر ليسا بفرضين على الأعيان ، وهما من فروض الكفايات ، فأيّ فرقة قامت بهما سقطا عن الباقين. مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٣٥٨.