فرض العلم التفصيلي بكذب خبر نقول بعدم مقتضى الحجية فيه ، كذلك لو كان في البين خبرين وعلم بكذب أحدهما فإنّما نقول بعدم كون مقتضى الحجية لهما بمقتضى العلم الإجمالي ، فليس من موارد التعارض هذان الموردان ، يعني مورد العلم بكذب أحد الخبرين تفصيلا ، ومورد العلم بكذب أحد الخبرين إجمالا ، فكما قلنا ما قاله المحقّق الخراساني رحمهالله في صورة التعارض بالعرض كما علم بكذب أحدهما ليس في محلّه ، فمورد التعارض ومحله هو بعد الفراغ عن إثبات المقتضي للخبرين ، يعني كون المقتضي للحجية لهما بحيث إنّه لو لم يكن المعارض كان كلا منهما حجة ، وليس المانع من العمل بهما إلّا تعارض كلّ منهما مع الآخر ، فاذا ثبت كون المقتضي للخبرين وظهر بينهما التعارض ، مثلا دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته فيتولّد من نفسهما علم ، وهو أنّ الشخص بعد ما يرى أنّ الوجوب والحرمة ضدّان ولا يمكن الجمع بين الضدّين يتولّد له علم بعدم إمكان صدق هذا الاجتماع ، يعني لا يمكن أن يكون هذا الاجتماع صادقا ، فحيث الذي يتولّد منه العلم هو هذا الاجتماع ، وإلّا فمع قطع النظر عن اجتماعهما فلا مانع من الأخذ بكليهما ، وهذا العلم غير العلم بكذب أحدهما ، لأنّ في هذا العلم ومع تولّد هذا العلم لا يعلم الشخص بكذب أحدهما ، بل يعلم بكذب الاجتماع ، لأنّ العلم تولّد من جهة الاجتماع ، وبعد عدم إمكان اجتماعهما فالجمع لا يمكن له لأجل علمه ، فكلّ أثر يكون لهذا الاجتماع يرتفع لعلمه بكذب الاجتماع فلا يجب العمل ، بل ولا يجوز العمل بكلّ منهما يعني حفظ هذا الاجتماع ، ولكنّ كلّ من الخبرين باق في حد ذاته على الحجية لعدم انثلام العلم بهذا الحيث فكل منهما ينتفي الثالث لا أحدهما كما توهم المحقّق الخراساني ففي المثال ينفي القول بالاباحة بمقتضى دليلين دليل الحرمة ودليل الوجوب.
اذا تمّ ما تلوناه عليك من المقدمتين فنرجع الكلام الى أصل المطلب ، يعني بيان الحق فيما اذا كان التعارض بين الخبرين على وجه التباين.
فنقول : تارة نقول بحجية الأمارة من باب الطريقية ، وتارة من باب السببية ،