أحدهما : من جهة الصّناعة ، والثاني : من جهة المعنى.
أمّا الأوّل : فلأنّ عطفه على الصّلة لكون النّسبة فيه إسنادية ، وذلك أن المستثنى محدّث عنه محكوم له ، بخلاف حكم المستثنى منه ، فإذا قدّرت العطف على الصّلة ، كان محدّثا عنه بما عطفته ، بخلاف ما إذا عطفته على الصّفة ، فإنه يكون تقييدا في «قوم» الذين هم قيد في الصّلة المحدّث عن صاحبها ، ومتى دار الأمر بين أن تكون النّسبة إسناديّة وبين أن تكون تقييدية ، كان جعلها إسنادية أولى لاستقلالها.
والثاني من جهة المعنى : وذلك أنّ العطف على الصّلة يؤدّي إلى أنّ سبب ترك التّعرّض لهم تركهم القتال ونهيهم عنه ، وهذا سبب قريب ، والعطف على الصّفة يؤدي إلى أنّ سبب ترك التعرّض لهم ، وصولهم إلى قوم كافّين عن القتال ، وهذا سبب بعيد ، وإذا دار الأمر بين سبب قريب وآخر بعيد ، فاعتبار القريب أولى.
والجمهور على إثبات «أو» ، وفي مصحف أبيّ (١) : «جاءوكم» من غير «أو» ، وخرّجها الزّمخشريّ على أحد أربعة أوجه : إمّا البيان ل «يصلون» ، أو البدل منه ، أو الصّفة لقوم بعد صفة ، أو الاستئناف.
قال أبو حيان (٢) : «وهي وجوه محتملة وفي بعضها ضعف ، وهو البيان والبدل ؛ لأن البيان لا يكون في الأفعال ؛ ولأن البدل لا يتأتّى لكونه ليس إيّاه ، ولا بعضه ، ولا مشتملا عليه». انتهى ، ويحتاج الجواب عنه [إلى] تأمّل ونظر.
قوله : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) فيه سبعة أوجه :
أحدها : أنه لا محلّ لهذه الجملة ، بل جيء بها للدّعاء عليهم بضيق صدورهم عن القتال ، وهذا منقول عن المبرّد ، إلّا أنّ الفارسيّ ردّ عليه بأنا مأمورون بأن ندعو على الكفّار بإلقاء العداوة بينهم ، فنقول : «اللهم أوقع العداوة بين الكفّار» لكن يكون قوله : (أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) نفيا لما اقتضاه دعاء المسلمين عليهم.
وقد أجاب عن هذا الردّ بعض النّاس ؛ فقال ابن عطيّة : «يخرّج قول المبرّد على أن الدّعاء عليهم بألّا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم ، والدعاء عليهم بألّا يقاتلوا قومهم تحقير لهم ، أي : هم أقلّ وأحقر ومستغنى عنهم ، كما تقول إذا أردت هذا المعنى : «لا جعل الله فلانا عليّ ولا معي» بمعنى : أستغني عنه وأستقلّ دونه».
وأجاب غيره بأنّه يجوز أن يكون سؤالا لقومهم ، على أنّ قوله : «قومهم» قد يحتمل أن يعبّر به عمّن ليسوا منهم ، [بل عن معاديهم».
الثاني : أنّ «حصرت» حال من فاعل «جاءوكم» ، وإذا وقعت الحال فعلا ماضيا
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٣٠ ، الدر المصون ٢ / ٤١٠.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠.