قيام الدلالة على حصول العفو يمتنع بقاء هذا الوعيد عند حصول العفو ، ونحن قد ذكرنا الدلائل (١) الدّالة على حصول العفو ، ثمّ نقول : هذا العموم مخصوص بالكافر (٢) لوجهين :
الأوّل : أنا إذا قلنا لكم : ما الدّليل على أنّ كلمة «من» في معرض الشّرط تفيد العموم؟ قلتم : لأنّه يصحّ الاستثناء [منه ، والاستثناء](٣) يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه ، فنقول : إن صح هذا الدّليل فهو يدلّ على أنّ قوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) يختصّ بالكافر ؛ لأن جميع المعاصي يصحّ استثناؤها من هذا اللفظ ، فيقال : ومن يعص الله ورسوله إلّا في الكفر ، وإلّا في الفسق ، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، فهذا يقتضي (٤) أن قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في جميع أنواع المعاصي والقبائح ، وذلك لا يتحقّق إلّا في حقّ الكافر ، وقوله (٥) : الإتيان بجميع المعاصي محال قال : وذلك لأنّ الإتيان باليهوديّة والنصرانيّة والمجوسية معا محال ، فنقول : ظاهر اللّفظ يقتضي العموم إلّا إذا قام مخصّص عقليّ أو شرعيّ ، وعلى هذا التقدير يسقط سؤالهم.
والوجه الثاني : في بيان تخصيص العموم بالكافر ، أنّ قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) يفيد كونه فاعلا للمعصية والذّنب ، فقوله : «ويتعد حدوده» لو كان المراد منه عين ذلك للزم التّكرار ، وهو خلاف الأصل فوجب حمله على الكفر ، وقولهم : تحمل هذه الآية على تعدّي الحدود المذكورة في المواريث.
قلنا : هب أنّ الأمر كذلك إلّا أنّه يسقط ما ذكرناه من السّؤال بهذا الكلام ؛ لأنّ التّعدي في حدود المواريث تارة [يكون](٦) بأن يعتقد أنّ تلك التّكاليف ، والأحكام حقّ وواجبة القبول ، إلّا أنّه يتركها ، وتارة [يكون](٧) بأن يعتقد أنّها واقعة لا على وجه الحكمة والصّواب ، فيكون هذا هو الغاية من تعدي الحدود وأمّا (٨) الأوّل فلا يكاد يطلق في حقّه أنه تعدى حدود الله ، وإلّا لزم وقوع التّكرار ، فعلمنا أنّ هذا الوعيد مختصّ بالكافر الذي لا يرضى بما قسمه الله من المواريث.
فصل
قال ابن عبّاس (٩) : الإضرار في الوصيّة من الكبائر ؛ لأنّه عقّب هذه الآية بالوعيد.
وفي الحديث «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الجنّة سبعين سنة فيحيف في وصيّته فيختم له [الله](١٠) بشر عمله فيدخل النار ، وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل النّار سبعين
__________________
(١) في أ : الدليل.
(٢) في أ : للكافر.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : فهاهنا.
(٥) في ب : وقولهم.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في أ.
(٨) في ب : فأما.
(٩) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٨٣.
(١٠) سقط في ب.