وثالثها : أن الوجوب يستلزم [استحقاق](١) الذّمّ عند التّرك (٢) ، وهذا الاستحقاق ينافي الإلهيّة ، فيمتنع (٣) حصوله في حقّ الإله ـ [سبحانه وتعالى](٤) ـ ؛ فثبت أنّ ظاهر الآية كما دلّ على أنّ الثّواب فضل من الله ـ تعالى ـ فالبراهين العقليّة القاطعة دالّة على ذلك أيضا.
فصل
يحتمل أن يكون معنى الآية : ذلك الثّواب لكمال درجته هو الفضل من الله ، وأن ما سواه ليس (٥) بشيء ، ويحتمل أن يكون ذلك الفضل المذكور والثّواب المذكور هو من الله لا من غيره.
(وَكَفى بِاللهِ) أي : بثواب الآخرة ، وقيل : لمن أطاع الله ورسوله وأحبه وفيه بيان أنّهم لم ينالوا تلك الدّرجة بطاعتهم ، إنّما (٦) نالوها بفضل الله ـ عزوجل ـ.
روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ. قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قاربوا وسدّدوا واعلموا أنّه لا ينجو أحد منكم بعمله» قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل» (٧).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً)(٧٣)
(٨) قال القرطبي (٩) : إنه ـ تعالى ـ لمّا ذكر طاعة الله وطاعة رسوله ، أمر أهل الطّاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته ، وأمرهم ألّا يقتحموا على عدوّهم على جهالة ، حتى يتحسّسوا إلى ما عندهم ويعلمون كيف يردّون عليهم ؛ لأن ذلك أثبت لهم.
وقال ابن الخطيب (١٠) : لما رغّب في طاعة الله وطاعة رسوله ، عاد إلى ذكر الجهاد ؛ لأنه أشقّ الطّاعات ، وأعظم الأمور الّتي بها يحصل تقوية الدّين ، والحذر والحذر
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : القول.
(٣) في أ : ممتنع.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : فليس.
(٦) في أ : إلا.
(٧) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٤٠٥) كتاب الزهد باب التوقي في العمل رقم (٤٢٠١) من حديث أبي هريرة.
وقال البوصيري في «الزوائد» (٣ / ٣٩٥) : هذا إسناد حسن شريك مختلف فيه.
وانظر تفسير القرطبي (٥ / ٣٩٧) والبغوي (١ / ٥٥٨).
(٨) سقط في ب.
(٩) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٧٦.
(١٠) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤١.