فكذلك نصيب الأختين من الأمّ مثل نصيب الثلاثة ، وإذا كان كذلك ؛ وجب أن يحصل الحجب بالأختين ، وإذا وجب الحجب بالأختين لزم ثبوته في الأخوين (١) ؛ لأنّه لا قائل بالفرق [فهذا أحسن ما يمكن أن يقال في هذا الموضع وفيه إشكال لأن] إجراء القياس في التقديرات صعب لأنّه غير معقول ، فيكون ذلك مجرّد تشبيه من غير جامع.
فالجواب أن يقال : لا يتمسّك به على طريقة القياس بل على طريقة الاستقراء ، لأنّ الكثرة أمارة العموم.
فصل
[والإخوة](٢) إذا حجبوا الأم من الثّلث إلى السّدس ، فلا يرثون مع الأب شيئا [ألبتة](٣) بل يأخذ الأب باقي المال ، وهو خمسة أسداس ، سدس بالفرض ، والباقي بالتّعصيب ، وقال ابن عبّاس (٤) : الإخوة يأخذون السّدس الذي حجبوا الأم عنه ، وما بقي فللأب ، وحجته الاستقراء دلّ على أن من لا يرث لا يحجب ، فهؤلاء الإخوة لما حجبوا وجب أن يرثوا ، وهذا يختص (٥) بالإخوة للأم إذا اجتمعوا مع الأبوين فإنّهم يحجبون الأم من الثّلث إلى السّدس ، ولا يرثون شيئا ؛ لأن الأب يسقطهم (٦).
قوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلّها لا بما يليه وحده ، كأنّه قيل : قسمة هذه الأنصباء من بعد وصية قاله الزّمخشريّ ، يعني أنه متعلّق بقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ) وما بعده.
والثاني : قاله أبو حيّان أنّه متعلّق بمحذوف ، أي : يستحقّون ذلك كما فصّل من بعد وصية.
[والثالث : أنّه حال من السّدس ، تقديره : مستحقا من بعد وصيّة](٧) ، والعامل الظرف قاله أبو البقاء (٨) ، وجوّز فيه وجها آخر ، قال : [ويجوز أن يكون ظرفا] أي : يستقر لهم ذلك بعد إخراج الوصيّة ، ولا بدّ من تقدير حذف المضاف لأنّ الوصيّة هنا المال الموصى به ، وقد تكون «الوصيّة» مصدرا مثل «الفريضة» ، وهذان الوجهان لا يظهر لهما وجه.
وقوله : والعامل الظّرف ، يعني بالظّرف : الجارّ والمجرور في قوله تعالى : (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) فإنه شبيه بالظرفية ، وعمل في الحال لما تضمنه من الفعل لوقوعه خبرا ،
__________________
(١) في ب : الآخرين.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٧٥.
(٥) في ب : ينتقض.
(٦) ينظر : الرازي ٩ / ١٧٥.
(٧) سقط في ب.
(٨) ينظر : الإملاء ١ / ١٦٩.