الآخر إرادة لما علم كونه محالا ، وذلك محال ، وأيضا فإنّه تعالى إذا كان يريد التّوبة من الكلّ ، ويريد الشّيطان أن تميلوا ميلا عظيما ، ثمّ يحصل مراد الشّيطان لا مراد الرحمن ، فحينئذ نفاذ الشيطان في ملك الرحمن أتمّ من نفاذ الرحمن في ملك نفسه ، وذلك محال ؛ فثبت أن قوله (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) خطاب مع قوم معينين حصلت هذه التّوبة لهم.
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(٢٨)
في هذه الجملة احتمالان :
أصحّهما : أنّها مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب.
والثّاني : أنّها حال من قوله (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) العامل فيها يريد أي : والله يريد أن يتوب عليكم يريد أن يخفف عنكم ، وفي هذا الإعراب نظر من وجهين :
أحدهما : أنّه يؤدّي إلى الفصل بين الحال ، وبين عاملها بجملة معطوفة على جملة العامل في الحال في ضمير تلك الجملة المعطوف عليها ، والجملة المعطوفة وهي (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ) جملة أجنبيّة (١) من الحال وعاملها.
والثّاني : أنّ الفعل الذي وقع حالا رفع الاسم الظّاهر فوقع الرّبط بالظاهر ؛ لأن (يُرِيدُ) رفع اسم الله ، وكان من حقّه أن يرفع ضميره ، والرّبط بالظّاهر إنّما وقع بالجملة الواقعة خبرا أو وصلة ، أمّا الواقعة حالا وصفة فلا ، إلا أن يرد به سماع ، ويصير هذا الإعراب نظير : «بكر يخرج يضرب بكر خالدا» ولم يذكر مفعول التخفيف فهو (٢) محذوف ، فقيل تقديره : يخفف عنكم تكليف النظر ، وإزال الحيرة ، وقيل : إثم ما يرتكبون ، وقيل : عام في جميع أحكام الشرع وقد سهل علينا كما قال تعالى (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (٣) [الأعراف : ١٥٧] وقال عليهالسلام : «بعثت بالحنيفية السمحة». وقال (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: ١٨٥] وقال (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨] وقال مجاهد ومقاتل : المراد به [إباحة](٤) نكاح الأمة عند الضرورة (٥).
قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) والمعنى أنه لضعفه خفف تكليفه ، والأقرب أن يحمل هذا الضعف على كثرة الدواعي إلى اتباع الشهوة واللذة لا على ضعيف الخلقة [لأن ضعيف الخلقة](٦) لو قوى الله داعيته إلى الطاعة كان في حكم القوي والقوي في
__________________
(١) في ب : اسمية.
(٢) في ب : وهو.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢١٥) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٥٧) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) سقط في أ.