وقول امرىء القيس : [الطويل]
١٧٥٥ ـ سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم |
|
وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (١) |
والثاني : وهو قول جماعة منهم الزّجّاج وابن درستويه : أنّها حرف جر ، وما بعدها مجرور بها ، وعلى هذا ف «إذا» تتمحّض للظّرفيّة ، ولا يكون فيه معنى الشّرط ، وعلى القول الأوّل يكون العامل في «إذا» ما تخلّص (٢) من معنى جوابها تقديره : إذا بلغوا النّكاح راشدين فادفعوا. وظاهر العبارة لبعضهم أنّ «إذا» ليست بشرطيّة ، لحصول ما بعدها ، وأجاز سيبويه أن يجازى بها في الشّعر ، وقال : «فعلوا ذلك مضطرين» ، وإنما جوزي بها لأنّها تحتاج إلى جواب ، وبأنّه يليها الفعل ظاهرا ، أو مضمرا ، واحتجّ الخليل على عدم شرطيّتها بحصول ما بعدها ، ألا ترى أنك تقول : أجيئك إذا احمر البسر ، ولا تقول : إن احمر.
قال أبو حيان : وكلامه يدلّ على أنها تكون ظرفا مجردا ، ليس فيها معنى الشّرط ، وهو مخالف للنّحويين ، فإنّهم كالمجمعين على أنها [ظرف](٣) فيها معنى الشّرط غالبا ، وإن وجد في عبارة بعضهم ما ينفي كونها أداة شرط ، فإنّما يعني أنها لا يجزم بها ، إلّا أنها لا تكون شرطا ، وقدّر بعضهم مضافا قال : تقديره يبلغوا حدّ النكاح أو وقته ، والظّاهر أنها لا تحتاج إليه ، والمعنى : صلحوا للنكاح.
فصل في معنى الابتلاء وكيفيته
والابتلاء : الاختبار ، أي اختبروهم في عقولهم وإدراكهم ، وحفظهم أموالهم. نزلت في ثابت بن رفاعة ، مات أبوه رفاعة وتركه صغيرا عند عمه ، فجاء عمّه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحلّ لي من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله؟ فنزلت هذه الآية (٤).
قال سعيد بن جبير ومجاهد والشّعبيّ : «لا يدفع إليه ماله ، وإن كان شيخا حتى يؤنس رشده» (٥) ، فالابتلاء يختلف باختلاف أحوالهم ، فإن كان ممّن يتصرف في السوق
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه ص ٩٣ ، والدرر ٦ / ١٤١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٤٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢٨ ، ٢٥٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٧٩ ، والكتاب ٣ / ٢٧ ، ٦٢٦ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٧ ، ١٣٠ ، وأسرار العربية ص ٢٦٧ ، وجواهر الأدب ص ٤٠٤ ، ورصف المباني ٥ / ١٨١ ، وشرح المفصل ٨ / ١٩ ، والمقتضب ٢ / ٧٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٦ والدر المصون ٢ / ٣١١.
(٢) في أ : يتخلص.
(٣) سقط في أ.
(٤) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٣٩٤.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٧٦ ، ٥٧٧) عن مجاهد والشعبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢١٥) عن مجاهد وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر.