أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٦٤)
لما أمر ـ [تعالى](١) ـ بطاعة الرّسول في الآية الأولى ، رغّب في هذه الآية مرّة أخرى.
قال الزّجّاج : كلمة «من» ههنا صلة زائدة ، والتّقدير : وما أرسلنا رسولا.
قوله : «ليطاع» هذه لام كي ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» ، وهذا (٢) استثناء مفرّغ من المفعول له ، والتّقدير : وما أرسلنا من رسول لشيء من الأشياء إلّا للطّاعة.
و (بِإِذْنِ اللهِ). فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه يتعلّق ب (لِيُطاعَ) والباء للسّببيّة ، وإليه ذهب أبو البقاء (٣) ؛ قال : وقيل : مفعول به ، أي : بسبب أمر الله.
الثاني : أن يتعلّق ب «أرسلنا» أي : وما أرسلنا بأمر الله ، أي : بشريعته.
الثالث : أن يتعلّق بمحذوف على أنه حال من الضّمير في «يطاع» وبه بدأ أبو البقاء (٤).
وقال ابن عطيّة (٥) : وعلى التّعليقين ؛ أي : تعليقه ب «يطاع» أو ب أرسلنا» ، فالكلام عامّ واللّفظ خاصّ ، المعنى لأنّا نقطع أن الله قد أراد من بعضهم ألّا يطيعوه ، ولذلك تأوّل (٦) بعضهم الإذن بالعلم ، وبعضهم بالإرشاد.
قال أبو حيّان (٧) : ولا يحتاج لذلك ؛ لأن قوله عامّ اللّفظ ممنوع ؛ وذلك أن «يطاع» مبني للمفعول فيقدر ذلك الفاعل المحذوف خاصا ، وتقديره : إلّا ليطيعه من أراد [الله](٨) طاعته.
فصل
قال الجبّائيّ : معنى الآية : وما أرسلنا من رسول إلّا وأنا مريد ، أن يطاع ويصدّق ، ولم أرسله ليعصى ، [و](٩) وهذا يدلّ على بطلان مذهب المجبّرة ؛ لأنّهم يقولون : إنه (١٠) ـ تعالى ـ أرسل رسلا لتعصى ، والعاصي من المعلوم أنّه يبقى على الكفر ، وقد نصّ الله ـ تعالى ـ على كذبهم (١١) في هذه الآية ، وكان يجب على قولهم أن يكون قد أرسل الرّسل ليطاعوا وليعصوا جميعا ، فدلّ ذلك على أنّ معصيتهم للرّسل غير مرادة لله ـ تعالى ـ ، وأنّه ما أراد إلا أن يطاع.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : أي جواز ، وهذا.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٥.
(٤) ينظر : السابق.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٤.
(٦) في ب : يأول.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٩٥.
(٨) سقط في أ.
(٩) سقط في ب.
(١٠) في ب : أن الله.
(١١) في ب : كفرهم.