(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : لهم عذاب أليم ممن له ملك السموات والأرض ، فكيف يرجو النجاة من كان معذبه هذا المالك القادر؟
قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)(١٩٢)
اعلم أنه ـ تعالى ـ لما قرّر الأحكام ، وأجاب عن شبه المبطلين ، عاد إلى ذكر ما يدل على التوحيد فذكر هذه الآية.
قال ابن عبيد قلت لعائشة ـ رضي الله عنها ـ : أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فبكت وأطالت ، ثم قالت : كلّ أمره عجب ، أتاني في ليلتي ، فدخل في لحافي ، حتى ألصق جلده بجلدي ، ثم قال لي : يا عائشة ، هل لك أن تأذني لي اللّيلة في عبادة ربّي؟ فقلت : يا رسول الله ، إنّي لأحبّك وأحبّ مرادك ، فقد أذنت لك ، فقام إلى قربة من ماء في البيت ، فتوضّأ ، ولم يكثر من صبّ الماء ، ثمّ قام يصلّي ، فقرأ من القرآن ، وجعل يبكي ، ثمّ رفع يديه ، فجعل يبكي حتّى رأيت دموعه قد بلّت الأرض فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة ، فرآه يبكي ، فقال : يا رسول الله ، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال : يا بلال ، أفلا أكون عبدا شكورا ، ثمّ قال : ما لي لا أبكي وقد أنزل الله في هذه اللّيلة : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآيات ، ثمّ قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها (١). وروي : ويل لمن لاكها بين فكّيه ولم يتأمّل فيها (٢).
وروي عن عليّ ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا قام من الليل يتسوك ، ثم ينظر إلى السماء ويقول : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ).
واعلم أنه ـ تعالى ـ ذكر هذه الآية في سورة البقرة (٣) ، وختمها بقوله : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وختمها هنا ـ بقوله : (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) وذكر في سورة البقرة ـ مع هذه
__________________
(١) أخرجه ابن حبان (٥٢٣ ـ موارد) وأبو الشيخ في «أخلاق النبي صلىاللهعليهوسلم» ص : ١٨٦.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٩٥) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في «التفكر» وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم والأصبهاني في «الترغيب» وابن عساكر عن عطاء.
أما قوله صلىاللهعليهوسلم : أفلا أكون عبدا شكورا فهو عند البخاري كتاب التفسير باب : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (٤٨٣٧).
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٩ / ١٠٩).
(٣) آية : ١٦٤.